القرآن الكريم في مقام الجواب على إدّعاءات المشركين الواهية يقرّر أنّ النبي الأكرم يتلقى الوحي الإلهي الذي ينزل به روح القدس من الله تعالى وأنّ آثار الإيمان والصدق جليّة في كلامه ، والأشخاص الذين يكذبون في كلامهم لا يؤمنون بالله تعالى ، أي أنّ الإيمان لا يجتمع مع الكذب ، والمؤمن الحقيقي لا يتحرّك لسانه من موقع الكذب اطلاقاً.
وجملة (يفتري الكذب) في الواقع تأكيد على كذبهم ، أي أنّهم يرتكبون الكذب والتهمة في نفس الوقت ، أو كما يقول الطبرسي في مجمع البيان بمعنى (يخترع الكذب) وهذا يعني أنّهم يختلقون كلاماً لا أصل له (الافتراء بمعنى فرية ، هو في الأصل بمعنى قطع ، ثم استعمل في كل عمل سلبي ومذموم ومنه الشرك والكذب والتهمة).
وفي الواقع فإنّ النسبة بين الكذب والافتراء هي نسبة العموم والخصوص المطلق ، فالكذب يعني كل كلام مخالف للواقع ، ولكنّ الافتراء أو التهمة هي أن يكون الكلام يحتوي في مضمونه على نسبة عمل مذموم إلى شخص معيّن.
ويحتمل أنّ قوله (يفتري الكذب) إشارة إلى رؤساء المشركين وقادة الكفر حيث يختلقون الكذب والعناوين من قبيل شاعر وساحر وينسبونها إلى النبي صلىاللهعليهوآله ويتبعهم الآخرون بذلك.
وعلى أية حال فإنّ الآية أعلاه تبيّن بوضوح أنّ الكذب لا يجتمع مع الإيمان اطلاقاً ، ولذلك ورد في تفسير هذه الآية رواية عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله عند ما سُئل : «يا رَسُولَ اللهِ المُؤمِنُ يَزني؟ قال : بلى ، قالوا : المُؤمِنُ يَسرُقُ؟ قال : بلى ، قالوا : المُؤمِنُ يَكذِبُ؟ قال : لا ، ثُمَّ قرأ هذه الآية ..» (١).
وبالطبع فلا بدّ من ملاحظة أنّ الإيمان له مراحل ومراتب مختلفة.
«الآية الثانية» من الآيات محل البحث تصّرح (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ).
__________________
١ ـ الطبرسي في مجمع البيان ؛ ابو الفتوح الرازي في تفسير روح الجنان ، في ذيل الآية المبحوثة.