الآيات السابقة لها) هو أنّ المشركين كانوا يعتقدون بأنّ الملائكة هم بنات الله ، وقيل أنّ المراد هو دعوى المسيحيين بأنّ المسيح ابن الله ، وكذلك دعوى اليهود بأنّ عزير إبن الله ، وعلى أية حال فانّ نسبة هذه الامور إلى الله تعالى من الكذب الفاضح والجلي ، لأنّ الله تعالى ليس بجسم ولا يتصف بالعوارض الجسمانيّة وليست له زوجة وأبناء.
وأساساً فانّ فلسفة وجود الابن تكون معقولة في دائرة نظام الخلقة على مستوى الإنسان وحاجاته الفطرّية والطبيعية ، فانّ الإنسان يحتاج إلى الأبناء لبقاء النسل والقيام بمعونته وإسناده في حركة المعيشة الشاقّة أمام تحدّيات الواقع والحياة ، أمّا مفهوم الأبن بالنسبة إلى الله تعالى وهو الغني على الاطلاق والقادر على كل شيء فلا معنى له في دائرة العقل والمنطق.
ومن الجدير بالتأمّل أنّ الآية المذكورة اعتبرت عمل المشركين مصداقاً للكذب والافتراء ، وهذا يعني أنّ الكذب له مفهوم واسع يستوعب في مضمونه الإفتراء أيضاً (وكما في الأصطلاح أنّ النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق) فالكذب هو أن يتحدّث الإنسان بكلام مخالف للواقع سواءً كان يتحدّث عن شخص معيّن أو شيء آخر ، ولكنّ التهمة والافتراء هو نسبة عمل قبيح وغير واقعي إلى شخص معيّن ، فهنا يتحقق مصداق الكذب ومصداق التهمة أيضاً.
ونفس مضمون هذه الآية ورد في الآية ١١٦ من سورة النحل حيث تقول الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)
«الآية السابعة» والأخيرة من الآيات مورد البحث تستعرض واقعة المباهلة المعروفة والتي تستبطن في طيّاتها الكلام عن قسم خاص من أقسام الكذب ، أي نسبة الكذب إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ويترتّب على ذلك لعنة الله على الكاذبين حيث تقول الآية : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).