وأمّا العهد مع الناس فيشمل كل أشكال العقود والمواثيق بين أفراد البشر ، وفيما لو تأطرت بقوالب شرعية وعقلائية فالوفاء بها واجب ، ولكن بعض أشكال العهد الذي يقع من جانب واحد كأن يتعاهد الإنسان أن يبذل المعونة لشخص آخر فمثل هذه العهود تسمى (عهود إبتدائية) وكذلك أشكال الوعد الذي يقوم من جانب واحد ، فالوفاء بهذا العهد أو الوعد غير واجب من الناحية الفقهية بل مستحب مؤكد ، ولكن في المنظور الأخلاقي فالالتزام بها واجب ولازم وإلّا فيحرم الإنسان من نيل الفضائل الإخلاقية والمقامات العالية الإنسانية.
وقد ورد في بعض الروايات أنّ الإنسان المؤمن إذا وعد غيره بشىء فإنّه بمنزلة النذر رغم عدم وجوب الكفارة عند عدم الوفاء به ، كما يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخاهُ نَذْرٌ لا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللهِ بَدَءَ وَلَمِقْتِهِ تَعَرَّضَ وَقَوْلُهُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أِنْ تَقولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» (١).
وفي حديث آخر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَفِ إِذا وَعَدَ» (٢).
أما عهد الإنسان مع نفسه فهو أن يتعاهد الإنسان بأن يلتزم خط تهذيب النفس وإصلاحها في طريق التكامل الأخلاقي والمعنوي والتحلي بالصفات الحسنة والأعمال الصالحة ، وهذا العهد له دور مؤثر وبناء في سلوك خط التهذيب النفسي ، وقد ذكره العرفاء الإسلاميون بأنّه أول مراتب السير والسلوك وذكروه تحت عنوان المشارطة ، وهو أنّ الإنسان يتعاهد مع نفسه كل صباح بأن يسير في خط الطاعة والإيمان واجتناب الذنوب والابتعاد عن الموبقات والآثام ، ثم يتحرك في سلوكه اليومي من موقع المراقبة الدقيقة لأعماله وسلوكياته ليطمئن على وفائه بذلك الشرط والعهد الذي أخذه على نفسه صباح اليوم ، ثم تصل النوبة إلى المحاسبة في آخر اليوم وقبل النوم وهل أنّه قد إرتكب ما يخالف
__________________
١ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٦ ، ح ١.
٢ ـ المصدر السابق ، ص ٣٦٤ ، ح ٢.