٢ ـ وأحد الدوافع الاخرى للجدال والمراء والنزاعات اللّفظية هو الظهور بمظهر العالم المتفوّق وإظهار الفضل على الآخرين ، وهذه الحالة متداولة كثيراً في أجواءنا الاجتماعية وخاصّة في المجلس الذي يحضره جماعة من العوام ويريد هذا الشخص أن يظهر نفسه وفضيلته أمامهم أو يريد أن يفتح له مكاناً بين أرباب العلم والمعرفة ، وجاء في الحديث الشريف الذي ذكرناه سابقاً عن الإمام الحسين عليهالسلام قوله : «وإِنَّ الشَّيطانَ لِيُوسوِسُ لِلرَّجُلِ وَيُناجِيهِ وَيَقُولُ ناظِرِ النَّاسَ فِي الدِّينِ كَي لا يَظُنُّوا بِكَ العَجزَ وَالجَهلَ» (١).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليهالسلام حيث يقسّم طلّاب العلم إِلى ثلاثة أقسام ، وطائفة منهم طلبوا العلم للجدال والمراء ، وطائفة اخرى للفخر على الناس ، وثالثة لغرض فهم الحقيقة والتعلّم والعمل بذلك ، ثمّ يصف الإمام حال الطائفة الاولى ويقول : «فَصاحِبُ الجَهلِ والمِراءِ مُوذٍ مُمارٍ مُتَعَرِّضٍ لِلمَقالِ فِي أَندِيةِ الرِّجالِ».
وفي ذيل هذا الحديث الشريف يلعن الإمام مثل هذا الشخص ويقول : «فَدَقَّ اللهُ مِنْ هذا خَيشُومَهُ» (٢).
٣ ـ ومن الدوافع الاخرى للجدال والمراء والتعصّب الكلامي هو الجهل بمقام الذات ومقام الآخرين ، لأنّه يرى نفسه أكبر وأعلم من واقعه ويرى الآخرين يعيشون الجهل وعدم العلم ، ولذلك ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليهالسلام والذي ذكرناه فيما سبق بعد أن يعدّ الإمام المراء بأنّه أحد الأمراض الخطرة لقلب الإنسان وأنّه من الأخلاق الشيطانية يقول : «فَلا يُمارِي فِي أَيِّ حالٍ إلّا مَنْ كانَ جاهِلاً بِنَفسِهِ وَبِغَيرِهِ» (٣).
٤ و ٥ ـ حبّ الانتقام والحسد يعتبران من العوامل المهمّة الاخرى التي تدفع بالإنسان إلى الجدال والمراء ، فلغرض تسقيط شخصية الطرف المقابل والانتقام منه وإشباع حالة الحسد في نفسه أو تضعيف مكانة الطرف الآخر أمام الانظار فإنّه يستخدم أداة الجدل والبحث العلمي المقترن مع الأهانة والتحقير ليستطيع بهذه الوسيلة أن يروي ظمأه إلى
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٢ ، ص ١٣٥ ، ح ٣٢.
٢ ـ مقدمة كتاب معالم الاصول ، ص ١١.
٣ ـ بحار الانوار ، ج ٢ ، ص ١٣٤ ، ح ٣١.