وعلى هذا الأساس فإنّ أحد أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام ويدعى أبُو حَنِيفَة سابُقُ الحَجِّ قالَ : «مَرَّ بِنا المُفضَّل وَأَنا وَخِتنِي نَتَشاجَرُ فِي مِيراثِ ، فَوَقَفَ عَلَينا ساعَةً ثُمَّ قالَ لَنا : تَعالُوا إِلَى المَنزَلِ فَأَتَيناهُ فَأَصلَحَ بَيننا بِأَربَعَمائةَ دِرهِمٍ فَدَفَعها إِلَينا مِنْ عِندِهِ حَتى إِذا استَوثَقَ كُلُّ وَاحدٍ مِنّا مِنْ صاحِبِهِ ، قالَ : أَمّا إِنَّها لَيستْ مِنْ مالي ولَكن أَبُو عَبدِ اللهِ عليهالسلام أَمَرَنِي اذا تَنازَعَ رَجُلانِ مِنْ أَصحابِنا أَن أَصلِحَ بَينَهُما وَأَفتَدِيهما مِنْ مالِهِ ، فَهذا مِنْ مالِ أَبِي عَبدِ اللهِ عليهالسلام» (١).
٦ ـ وورد في تفسير الآية الشريفة : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) أنّ الإمام الصادق عليهالسلام قال : «إذا دُعِيتَ لِصُلحِ بَينَ اثنَينِ فَلا تَقُل عَلَىَّ يَمِينِي أَنْ لا أَفعَلَ» (٢).
وهذا الحديث يشير إلى أنّه لو واجه الإنسان حين إقدامه لإصلاح ذات البين بعض المشاكل ثمّ حلف أن يترك هذا السلوك الإصلاحي فإنّ الإمام يقول بأنّ مثل هذا القسم والحلف لا إعتبار له وإنّ المشاكل المحيطة بمثل هذا العمل لا يمكنها أن تمنع الإنسان من سلوك هذا الطريق والعمل على إصلاح ذات البين.
٧ ـ وقد ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام قوله : «مَنْ استَصلَحَ الأضدَادَ بَلَغَ المُرادَ» (٣).
والمراد من الأضداد في الحديث الشريف ليست الأضداد الفلسفية التي لا تقبل الجمع ، بل الأضداد العرفية ، وطبعاً هناك تفسير آخر لهذا الحديث أيضاً وهو أن يكون المراد أنّ الإنسان إذا استطاع التنسيق بين الأشخاص والفئات التي تعيش أفكار مختلفة ومتنوعة ، فإنّه يبلغ مراده ويكون ذلك نعم العون له على إدارة امور المجتمع لكل هذه الأفكار المُتضادة.
٨ ـ إنّ أهميّة إصلاح ذات البين هي إلى درجة أنّ الكذب قد يكون مباحاً في هذا السبيل كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «الكَلامُ ثَلاثَةٌ صِدقُ وَكِذبٌ وَإصلاحٌ بَينَ النِّاسِ قِيلَ جُعِلتُ فِداكَ ما الإِصلاحُ بَينَ النّاسِ؟ قالَ : تَسمَعُ مِنَ الرَّجُلِ
__________________
١ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٠٩ ، ح ٤.
٢ ـ المصدر السابق ، ص ٢١٠ ، ح ٦.
٣ ـ غرر الحكم.