والنظر إلى فلسفة هذا الحكم بالذات كيما نتجنّب الافراط في بعض الممارسات التي تدخل تحت هذا العنوان.
ونقرأ في آيات القرآن الكريم وسيرة النبي الأكرم والروايات الإسلامية إشارات واضحة إلى هذه المسألة المهمّة.
فيقول القرآن الكريم في الآية ٤٧ من سورة التوبة بصراحة أنّ من بين المسلمين أشخاصاً يمثّلون عملاء العدو وجواسيسه ، وعلى المسلمين أن يحذروا منهم حيث تقول الآية : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ).
ومن هذا القبيل ما ورد في قصّة المرأة التي أرسلها بعض المنافقين لتوصل أخبار المدينة إلى المشركين في مكّة قبيل الفتح وأنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله قد جهّز جيوشاً كبيرة للهجوم على مكّة حيث أرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله الإمام علي عليهالسلام ورائها فوجدها في الطريق وهددها لتسلّم الرسالة ، فاضطرت أخيراً إلى الاعتراف وتسليم هذه الرسالة إلى أمير المؤمنين عليهالسلام (١) ، وكذلك قصّة تجسّس حذيفة في معركة الأحزاب لصالح المسلمين ونفوذه إلى قلب جيش الأعداء لتفحّص الأخبار ونقلها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢).
ويستفاد من آيات القرآن الكريم أنّ هذه المسألة كانت موجودة أيضاً في عصر الانبياء السابقين ، وأحياناً تتخذ صبغة إعجازية كما في قصّة النبي سليمان عليهالسلام عند ما استخدم الهدهد ليوصل إليه أخبار المناطق البعيدة.
ونقرأ في الحديث الشريف عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام أنّه قال : «كانَ رَسُولُ اللهِ إِذا بَعَثَ جَيشَاً فَاتَّهم أَمِيراً بَعَثَ مَعَهُم مِنْ ثِقاتِهِ مَنْ يَتَجَسَّسُ لَهُ خَبَرَهُ» (٣).
ونقرأ في نهج البلاغة في الكتاب ٣٣ قول الإمام علي أمير المؤمنين عليهالسلام لقُشم بن عباس أمير مكّة : «أَمّا بَعدُ فَإنَّ عَينِي بِالمَغرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعلِمُنِي إِنَّهُ وُجِّهَ إِلَى المَوسِمِ مِنْ أَهلِ الشَّامِ العَمي القُلُوبِ ... الَّذِينَ يَلبِسُونَ الحَقَّ بِالباطِلِ وَيُطِيعُونَ المَخلُوقَ فِي مَعصِيةِ الخَالِقِ ...
__________________
١ ـ راجع نفحات القرآن ، ج ١٠
٢ ـ راجع نفحات القرآن ، ج ١٠.
٣ ـ وسائل الشيعة ، ١١ ، ٤٤ ، ح ٤.