في مقام الحاجة ، وكما يقول الاصوليون : «أن تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيحٌ». وفي الحقيقة إنّ هذهِ الأسئلة والتدقيق في المسألة يدلّ على عدم إيمانهم بحكمة الله تعالى ، والحكيم لا بدّ وأن يبيّن كل ما هو لازم وضروري من الشرائط والقيود ، ولا يحتاج للسؤال ، ويمكن أن يكون قصدهم من ذلك هو عدم وجود تلك البقرة حتى يستمروا بمغامراتهم التي يتحرّكون من خلالها في دائرة العناد دوماً في مقابل الإمتثال للحق ، فقال القرآن الكريم : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).
فتبيّن هذهِ الآيات مدى النزاع الذي حصل بين بني اسرائيل لمعرفة القاتل ، وعلى ذلك كان يتوجب عليهم تنفيذ أوامر موسى عليهالسلام بسرعة ليجدوا القاتل ، ولكن اللّجاج الذي دخل فيه بنو اسرائيل لم يعطهم الفرصة لانهاء الأمر فسألوا وسألوا حتى صعّب عليهم الباري تعالى الأمر فأصبح البحث عن تلك البقرة أمراً مستعصياً جداً ، فهي بقرة ، صفراء بالكامل تسرُّ الناظرين ، لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ، ولا ذلول وتثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةً لا شيَةَ فيها ، فمن البديهي عدم توفّر مثل هذه الأوصاف في بقرة واحدة إلّا بصعوبةٍ ، ولكن كان عليهم أن يدفعوا ثمن لجاجهم وعنادهم ، فاضطروا لشرائها بثمنٍ باهظ جدّاً ، فذبحوها وضربوا بعضها ببدن الميت فعادت الحياة إليه باذن الله ودلّهم على قاتله.
«الآية السابعة» أيضاً تتحدث عن بني اسرائيل وعنادهم العجيب حيث أخذوا باطراف موسى عليهالسلام وطلبوا من نبيّهم المحال وقالوا : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً).
الظاهر أنّهم كانوا يعلمون أنّ الله تعالى ليس بجسمٍ ولا جهة له ولا مكان ، ولكن كلامهم كان بسبب طغيانهم وعتوّهم ، ومن أجل أن يبيّن الله تعالى جيداً مسألة استحالة رؤيته ، ولتأديب اولئك القوم المعاندين أمر بسبعين من رؤوسائهم أن يخرجوا مع موسى عليهالسلام للميعاد في جبل الطور ، ليتلقوا الجواب على سؤالهم العجيب هناك وينقلوا ما سيشاهدوه