لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).
وهنا أيضاً ذاق بنو اسرائيل طعم عنادهم ولجاجتهم ، فأخذ الله تعالى النصر عنهم ودخول بيت المقدس أربعين سنةً ، وتاهوا في الصحاري القريبة منها ، فسمّوا تلك الصحاري بأرض «التيه» التي كانت قسماً من صحاري (سيناء).
والمسألة المهمّة والتي يجب الإشارة اليها هو أن الّلجاج وعدم الانصياع يفضي إلى التعامل مع الباري تعالى من موقع الاهانة والاستهزاء ، حيث قالوا : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، فالإهانة والاستهزاء في هذا الكلام يتجليان بكل وضوح ، ولكن الجاهل والأناني واللجوج لا يعرف منطق أفضل من هذا.
والواقع أنّ التيه أربعين سنة في تلك الصحاري ، كان حكمة ورحمة إلهية ، وبهدف تغيير النسل الذي نشأ في مصر ، والذي لم يستطع عمل موسى عليهالسلام الثّقافي والفكري الدؤوب أن يغيّر فيه الكثير ، فجاء نسل جديد نشأ في الصحراء وفي وسط المشكلات فحصلت فيه التغييرات الداخلية اللازمة لتحرير الديار المقدسة من الاعداء وإقامة الحكومة الإلهية ، وفي الحقيقة أن هذهِ العقوبة كانت في الواقع رحمة ربانية ولطف إلهي ، وأكثر العقوبات الإلهية هي من هذا القبيل.
في «الآية التاسعة» من الآيات نقرأ حديثاً عن قوم فرعون الذين آتاهم الله تعالى «بتسع آيات» (١) إلهية على مستوى الاعجاز ، ولم يكونوا بأقل عنادٍ واصرار على الانحراف من بني اسرائيل حتى أنّهم قالوا لموسى (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ* فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ).
تعبيرات الآية واضحة جدّاً ، فكلها تبيّن وتعكس العناد الذي كانوا عليه ، فأولها نعتوا موسى عليهالسلام بالساحر ومع ذلك يلجأون إليه لكي يخلصهم من البلاء ، وتعبير «ربّك» علامة اخرَى على العناد. وتأكيدهم على الإيمان بموسى عليهالسلام على فرض انقاذهم من البلاء واضح
__________________
١ ـ سورة الاسراء ، الآية ١٠١.