من كلمة (إننا لمهتدون) وتعبير (ينكثون) التي وردت بصورة الفعل المضارع تبيّن أنّهم أبرموا العهود ونقضوها مرّات عديدة ، وهو دليل على عنادهم أيضاً.
وبالتالي فانّهم ذاقوا عقاب عنادهم ولجاجتهم ، حيث اغرقهم الباري تعالى بجميع عدّتهم وعددهم ورؤسائهم في اليمِ (١).
«الآية العاشرة» والأخيرة من هذه الآيات ، ناظرة لعناد المشركين العرب حيث كانوا يصرّون على عنادهم ويتهربون من قبول دعوة الرسول صلىاللهعليهوآله والتي كانت مدعمة بالآيات والمعجزات ، ولو كان عندهم ذرّة من روح الحب للحقيقة ، لقبِلوا احدى تلك المعجزات الكبيرة التي اتَى بها الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآله ومن جملتها القرآن الكريم المعجزة الخالدة للرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، ولكنهم كانوا في كل يوم يطلبون معجزةً جديدة ، ومع ذلك لا يؤمنون بها أيضاً ، إلى أن وصلوا إلى أقصى درجات اللجاجة والعناد ، (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ).
هذا الكلام هو دليل واضح على التعامل مع الموقف من موقع العناد ، وفيه أيضاً نقطة مهمّة ، ألا وهي أنّهم كانوا يتصوّرون أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يقول : إني افعل ما اشاء ومتسلط على جميع الكون ، لكنّ الحقيقة أنّ المعجزات دائماً تتحقق بأمرٍ إلهي وكيفما يشاء الباري تعالى ، لذا نقرأ في آخر الآيات : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً).
ويذكر في شأن النزول أنّ قوماً من مشركي مكّة وعلى رأسهم (الوليد بن المغيرة وابو جهل) اجتمعوا عند الكعبة الشريفة وأخذوا يتحدثون عن النبي وكيفية مواجهته ، وبالتالي قرّروا أن يذهب أحدهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ويقترح عليه أن يتوجّه إليهم يكلمهم ويكلمونه حول الدين الجديد ، فأسرع إليهم الرسول على أمل قبولهم للحق ، لكنّه سمع الكلام الآنف الذكر ، بالإضافة إلى مجابهتهم له بامور واهية ومهينةً اخرَى.
ومن المؤكد أنّهم لو كانوا يطلبون الحق ويريدونه ، لتوجب على الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله
__________________
١ ـ نظير هذه التعبيرات وبشرح اكبر جاء في سورة الاعراف في الآيات ١٣١ ـ ١٣٥.