يستمر النزاع والصراع وسفك الدماء.
إنّ أشكال النهب والسلب وهتك النواميس والأعراض والقتل الفجيع في التاريخ البشري معلول لهذه الصفة الخبيثة والذميمة في أعماق البشر وتمتد إلى ذواتهم الحيوانية وعناصر الشر فيهم.
وبعكس ذلك ما نجده في سيرة الأنبياء والأولياء هو أنّهم عند ما تسنح لهم الفرصة ويتغلّبون على عدوهم فإنّهم يتحرّكون من موقع العفو والصفح عن جرائمه السابقة وبذلك يعملون على تبديل أشدّ الأعداء إلى أقرب الأصدقاء.
إنّ مثل هذه الشخصيات الفذّة في التاريخ البشري لا يعيشون حالة الرغبة في الثأر لأنفسهم والانتقام من عدوّهم وغسل الدم بالدم (إلّا في الموارد الاستثنائية) والردّ بالسيئة بمثلها ، بل على العكس من ذلك كانوا يتحرّكون ما أمكنهم على مستوى جواب السيئة بالحسنة ، لأنّ هدفهم تربية النفوس وتهذيبها والسير بها في خط الصلاح والإيمان والهداية لا في خط الانتقام ، ولذلك كانوا يهدفون إلى إطفاء الفتنة لا إشعال نار جديدة.
ولكن من اليقين أنّ مثل هذا السلوك الإنساني لا يتسنى من أيّ شخص كان ، بل يختص به الأشخاص الذين يعيشون الإيمان والتقوى والتسلّط على النفس في أعلى مستوياته ، إنّه عمل الأشخاص الذين يعيشون الفضيلة والأخلاق السامية ، وإلّا فانّ من يعيش التوحش والقساوة في قلبه لا يعرف سوى الانتقام ولا يفتخر إلّا بالثأر لنفسه.
وأمّا بالنسبة إلى الآيات القرآنية والروايات الإسلامية فنجدها مليئة في بيان فضيلة العفو والصفح وذم روح الانتقام والثأر ، والشاهد على ذلك ما نقرأه في سيرة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله والأئمّة المعصومين عليهمالسلام في هذا الباب ، ونموذج لذلك ما ورد في قصّة فتح مكّة والعفو العام الذي أصدره النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله عن أعدائه الشرسين والحاقدين.
ومع هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته دروساً في العفو والصفح أو ما ورد فيه من ذم غريزة الانتقام والثأر (والجدير بالذكر أنّ مفردة (الانتقام) لم ترد في القرآن الكريم بالمعنى المذكور آنفاً ، بل بمعنى العقاب الإلهي ، ولذلك فكل مورد وردت فيه هذه