وفي «الآية التاسعة» نجد أنّ العفو والصفح ذكرا إلى جانب أعمال الخير الاخرى وأنّ الله تعالى وعد بالعفو أيضاً في مقابل ذلك العمل فتقول : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً).
وعليه فلا ينبغي أن يتصوّر الإنسان أنّ الانتقام عند القدرة سيجلب له الفخر والعزّة ، فالفخر هو أن يتحرّك الإنسان في هذه الموارد من موقع ضبط النفس وتحريك عناصر الخير في أعماقه والمقابلة بالعفو والصفح فيما إذا كان العفو في موقعه ولم يثر في نفس الطرف الآخر عناصر الشر أو سو الظن.
وتتعرض «الآية العاشرة» والأخيرة من الآيات محل البحث إلى موقف النبي من المشركين وتوصيته بأن يتخذ الصبر جلباباً في مقابل أذى المشركين وعدوان المعاندين والمخالفين وتقول : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً).
ومعلوم أنّ أحد الوسائل في عملية التصدّي للرسالة والدعوة الإلهية وما كان يمارسه المشركون والأعداء تجاه النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله هو أنواع الهتك والإهانة والشتم والأذى للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بحيث كان يشتد على قلب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ذلك أحياناً ، ولكن مع ذلك فإنّ الله تعالى يوصيه بالتزام الصبر والمداراة وغض الطرف عن ذلك الواقع المؤلم وأن يهجرهم هجراً جميلاً.
والمراد ب (الهجر الجميل) هو الهجران المقترن بالمحبّة وحسن الخلق والتأسف على حال هؤلاء الناس المشاكسين ودعوتهم إلى الحق والخير ، وهذه هي إحدى الطرق التربوية في مقابل الأفراد الذين يعيشون حالة الجهل والعناد في مقابل الحق بحيث إذا تعامل معهم الإنسان بالمثل فإنّ ذلك من شأنه أن يزيدهم طغياناً وعناداً ، ولذا أمرت الآية الشريفة أن يتّخذ الإنسان موقف اللامبالاة أمام أذاهم وكلماتهم اللامسؤولة ، ولكن البعض تصوّر أنّ الأمر في هذه الآية كان قبل نزول آية الجهاد التي نسخت هذه الآية واستبدلت العفو بالجهاد ، وفي حين أنّ الأمر ليس كذلك ، لأنّ الجهاد له محل معيّن ، والهجر الجميل له محل آخر.