وهذه العداوة يمكن أن تتجسد في السلوك العملي للشخص بطرق مختلفة ، فمثلاً تتجلّى العداوة في البعد المعنوي كأن تمنع الزوجة أولادها المسلمين من الهجرة إلى المدينة في عصر البعثة ، أو استعمال أساليب الضغط النفسي لعدم الوصية ببعض التركة والميراث إلى أعمال الخير وما ينفع الإنسان في آخرته أو تعرض الإنسان لبعض الأذى وتحميل الظروف الصعبة من قبل الزوجة المشاكسة أو الأبناء المنحرفين ولكن الآية الشريفة تصرّح في ذيلها بأنّ العفو والصفح أفضل وتقول : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
ولا شك أنّه لو لا وجود العفو والصفح في أجواء العائلة من قبل الأب والولي على امور الأهل والأطفال أو كان كل فرد من أفراد الاسرة يتحرّك في تعامله مع الآخرين من موقع الانتقام وأخذ الحق والمقابلة بالمثل ، فإنّ هذه الأجواء الاسريّة ستتحوّل إلى جهنّم ومحرقة يعيش فيها الأفراد القلق والاضطراب الدائم وعدم الأمن والراحة وبالتالي يتسبب ذلك في إنهدام العائلة وتلاشيها.
والملفت للنظر أنّ الله تعالى يذكر في هذه الآية الشريفة بصراحة أنّ العفو في المرتبة الاولى ثم الصفح بعده ، ويذكر في ذيل الآية بشكل ضمني الأمر مرّة اخرى بالمغفرة لأنّه يقول : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) أو إذا تحركتم أنتم من موقع العفو والصفح والمغفرة فستكونون مشمولين لعفو الله تعالى ومغفرته أيضاً.
أمّا الفرق بين العفو والصفح والغفران (١) ، فالظاهر أنّ العفو هو المرتبة الاولى في عملية التعامل بالحسن في مقابل العمل السيء ويعني ترك الانتقام وردّ الفعل المماثل ، وأمّا الصفح فيعني الإعراض عن السيئة وعدم الاعتناء بها وكأنها لم تكن ، وأمّا الغفران فيعني التغطية على آثار الخطيئة والذنب بحيث ينساها الناس ، وهذه آخر مرحلة من مراحل مقابلة السيئة والتعامل معها بالطريقة الإيجابية ، وهي أفضل مقامات الإنسان المؤمن في مقابل خطأ الآخرين وسيرتهم.
__________________
١ ـ الملفت للنظر أنّ كلمة (غفران) كما أنّها تطلق على الله تعالى ، كذلك تطلق على الإنسان في آيات عديدة مثل : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) (الجاثية ، الآية ١٤) ، و (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) الشورى ، الآية ٣٧.