والاستطاعة ، وتحذّر المسلمين من هذا الموقف الخطير وتقول : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ).
لأنّ بعد العفو عن القاتل أو تبديل القصاص بالدية فإنّ ذلك يعني إغلاق الطريق تماماً عن العودة وبذلك يسقط حق القصاص تماماً ، وعليه يكون الانتقام من القاتل بمثابة القتل العمد الذي يترتب عليه العقوبة في الشريعة الإسلامية.
وهذه الآية تضع القاتل بين الخوف والرجاء ، فمن جهة تفتح عليه باب القصاص حتى لا يتجرأ أحد على تلويث يده بدماء الأبرياء خوفاً من القصاص ، ومن جهة اخرى فإنّها قد فتحت باب العفو ثم حذّرت من الانتقام بعده ولتقف حائلاً في طريق الخشونة والعدوان اللّامسؤول من بعض الجماعات المتطرفة والمنفعلة ، وهذا هو منتهى التدبير والحكمة في هذه المسألة الاجتماعية المهمّة.
والتعبير بكلمة (أخيه) في الآية المذكورة يشير إلى أنّه حتى لو وقعت حادثة قتل بين المسلمين فإنّ ذلك لا يعني قطع رابطة الاخوّة بينهم ، وفي صورة عدم وجود ضرورة للقصاص فلا ينبغي إتّخاذه سبيلاً لحلّ الأزمة ، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإسلام يرجّح العفو على القصاص ويتحرّك من موقع تفعيل الشعور بالمحبّة والاخوّة لدى الأولياء بدلاً من روح الثأر والانتقام.
وقد ورد هذا المضمون في رواية عن ابن عباس أيضاً (١).
وكذلك عبارة : (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) تدلّ مرّة اخرى على المفهوم القرآني في ترجيح العفو والصفح على القصاص أو تبديله بالدية.
وفي «الآية الثامنة» نقرأ خطاباً لجميع المؤمنين في دائرة الاختلافات والنزاعات العائلية حيث تقول الآية محذّرة للمؤمنين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
__________________
١ ـ تفسير روح البيان ، ج ١ ، ص ٢٨٥.