ومن الأسباب الاخرى لتكريس حالة اللجاج والعناد هو مواجهة الشخص الذي ارتكب مخالفة معينة باللّوم المفرط والتقريع الزائد عن الحدّ وأمام الملأ العام ، فانّ ذلك من شأنه أن يدفعه نحو الاصرار والعناد لإثبات أنّه ليس على خطأ ويتحرّك في مواجهة الآخرين من خلال التمسك برأيه ، وبالتدريج يعتقد أنّه على صواب ويبقى على ما هو عليه ، والعكس صحيح فإذا ما عومل بلطف ولين ومحبّةٍ فسيرتدع ويعود إلى رشده.
ولذلك نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «الإِفراطُ فِي المَلامَةِ يَشُّبُ نِيرانُ اللَّجاجَةِ» (١).
العامل الثالث لظهور هذه الصفة : هو احساس الإنسان بالحقارة والدونية ، فعقدة الحقارة تمنع الأفراد من الاستماع والانصياع للآخرين توكيداً لشخصيتهم ، فلا يقبلون الكلام المنطقي ويصرّون على سلوكهم وعملهم الباطل.
أما الأفراد الذين لا يعيشون هذه العقدة ويمتازون بشخصية قوية ، فلا حاجة لهم إلى هذا السلوك الباطل وسرعان ما يسلّمون للبرهان والمنطق السليم ولا يجدون في أنفسهم حاجة للاصرار على أفعالهم الخاطئة.
ضعف الإرادة واهتزاز الشخصية يمكن اعتباره عامل رابع للّجاج ، ومن البديهي أنّ إقلاع الشخص من عادة تعودها لمدّة طويلة ليس بالأمر السهل ، والاعتراف بالخطأ ليس بالأمر الهيّن أيضاً ، ويحتاج إلى قوة الإرادة والشجاعة ، والأشخاص الذين يعيشون الحرمان من تلك الفضيلتين سيجدون في أنفسهم دوافع لا شعورية لسلوك طريق العناد واللجاج.
«حبّ الراحة» يمكن أن يكون العامل الخامس ، لأن ترك المسير الذي سار عليه الإنسان ولمدّة طويلة ليس بالأمر السهل ، وخصوصاً لدى الشخص المنعّم والمحبّ للراحة. ومن اليقين أنّ التحرك على خلاف حالة الاسترخاء الفكري والكسل النفسي لا يلائم مذاقهم.
فهذه من العوامل التي يمكن الإشارة إليها في دائرة اللجاج والمماراة.
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٧٤ ، ص ٢١٢.