الغيرة تسبب أيضاً في تقوية عناصر الشد للقيم الأخلاقية والمثل الرفيعة للمجتمع الإنساني وتجعله محفوظاً من التلّوث والانحراف في منزلقات الخطيئة.
إنّ الغيرة تتسبب أيضاً في حفظ أمن المجتمع وإزالة مظاهر الفساد والفحشاء ، في حين أنّ عدم الغيرة يهدم أمن المجتمع ويعمل على تحطيم المثل الإنسانية والقيم الأخلاقية في أفراد المجتمع وبالتالي ينزلق مثل هذا المجتمع نحو الفساد والانحطاط الأخلاقي.
ونقرأ في سيرة الأنبياء أنّه عند ما رأى النبي لوط عليهالسلام مظاهر الفساد والتلّوث من قومه الأشقياء حتى أنّهم راودوه عن ضيفه (وهم ضيوفه من الملائكة الذين دخلوا عليه على شكل فتيان حسان الوجوه ولم يكن لوط عليهالسلام عليم بواقعهم) تملّكه الخوف والاستياء الشديد ممّا رأى من تعرّض قومه الأشرار إلى هؤلاء الضيوف عند ما سمعوا بهم قد دخلوا في بيت لوط ، وكلما نصحهم لوط عليهالسلام فإنّ كلامه ذهب أدراج الرياح ولم يؤثر في هؤلاء الأشرار شيئاً حتى أنّه عرض عليهم الزواج من بناته (فيما إذا تابوا وآمنوا) ولكنّهم رغم هذا الإيثار العظيم من لوط لم يرتدعوا عن غيّهم واستمروا في طلبهم الدنيء وممارسة الضغط على لوط عليهالسلام ليسلمهم الضيوف الكرماء ، فقال لهم لوط : (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)(١).
ولكن عند ما رأى أنّ كلامه لا يؤثر شيئاً في نفوس هؤلاء الأشرار ولا يرتدعون عن غيّهم ازداد حزناً وألماً ونصباً وعند ما كشف هؤلاء الضيوف عن واقعهم وأنّهم من الملائكة وطمأنوه بأن لا يخاف من هؤلاء الأشرار فإنّ العذاب الإلهي نازل بحقهم وسيتعرّضون للهلاك عمّا قريب.
ونختم هذا البحث بحديث شريف عن الإمام الصادق عليهالسلام حيث يقول : «إِنّ المَرَأ يَحتاجُ فِي مَنزِلِهِ وَعيالِهِ إِلى ثَلاثِ خَلالِ يَتَكَلَّفُها وَإِنْ لَم يَكُن فِي طَبعِهِ ذَلِك : مَعاشِرَةٌ جمِيلَةٌ ، وَسِعَةٌ بِتَقدِيرٍ وَغَيرَةٌ بِتَحصِينٍ» (٢).
__________________
١ ـ سورة هود ، الآية ٧٨.
٢ ـ بحار الانوار ، ج ٧٥ ، ص ٢٣٦.