بعض علماء أهل السنة إستدلّوا بهذه الآية الشريفة على حجّية الاجماع ، ونحن لا نرى مانعاً من الاستدلال بهذه الآية على حجّية إجماع المسلمين ، ولكنّ هذا الإجماع يجب أن يتضمّن حضور الإمام المعصوم أيضاً ، وفي الاصطلاح الاصولي يعبّر عنه بالإجماع الدخولي أو الإجماع الكشفي الذي يكون هو الحجّة في عملية الاستدلال.
«الآية الثالثة» تستعرض أحد المواهب الإلهية الكبيرة على النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وأنّ الله تعالى هو الذي جمع المؤمنين حول النبي وألف بين قلوبهم بحيث لا يتسنى ذلك أبداً من خلال الوسائل الطبيعية والأدوات العادية فتقول الآية : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
لو أنّ الإسلام يرى في العزلة والانزواء عن المجتمع قيمة أخلاقية ، فإنّه لم يكن يعدّ التأليف بين قلوب المسلمين بعنوان معجزة كبيرة للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله.
وهذا التعبير في الآية الشريفة لا يدلّ على مطلوبية المعاشرة والاجتماع بين الأفراد فحسب ، بل أن تكون الرابطة شديدة وإلى درجة كبيرة من الوثاقة في العلاقات الاجتماعية.
وبديهي أنّه لا يصحّ أن تقرر الآية هذا المفهوم في زمان النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله فقط ، بل إنّ هذا المفهوم الإسلامي يستوعب جميع الأزمنة والأمكنة وعلى كلّ طائفة مؤمنة أن تجتمع حول محور واحد وترتبط فيما بينها برابطة وثيقة من الألفة والمحبّة كما كان حال المؤمنين في عصر النبوّة والبعثة.
والملفت للنظر أنّ الله تعالى نسب تأليف القلوب إليه مباشرة كما ورد هذا المضمون في الآية ١٠٣ من سورة آل عمران ، رغم أننا نعلم أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله هو الذي قام بهذا العمل الإنساني والاجتماعي ، وذلك لتشير الآية إلى أنّ هذا العمل إنّما هو معجزة إلهية جعلها الله تعالى في يد النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وأظهرها على يده ، وإلّا فمن المحال أن تزول وتتلاشى كل تلك الأحقاد والعداوات القديمة والجديدة بين العرب المتعصّبين والجاهلين مهما بلغت