رأى بيته الواسع والمجلل تعجب كثيراً وقال : «ما كُنتَ تَصنَعُ بِسعَةِ هذِه الدَّار فِي الدُّنيا ، أما أَنتَ إِليها فِي الآخِرَةِ أَحوجُ وَبلى إِن شِئتَ بَلَغتَ بِها الآخرةَ تُقرِي فِيها الضَّيفَ وَتَصِلُ فِيها الرَّحمَ وَتَطلِعُ مِنها الحقوق مطالعها فإذاً أَنتَ بَلغَتَ بِها الآخرةَ ، فَقالَ لَهُ العلاءُ يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أشكُوا إِلَيكَ أَخِي عاصِمَ بنَ زياد ، قَالَ : وَما لَهُ؟ قال : لَبِسَ العباءةَ وَتَخَلِّي الدُّنيا ، فَلما جاءَ قَالَ : «يا عَدِيَّ نَفسِهِ لَقَد إِستَهامَ بِكَ الخَبِثُ ، أَما رَحِمتَ أَهلَكَ وَوَلَدَكَ ، أَتَرى أَنَّ اللهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيباتِ وَهُوَ يَكرَهُ أَنْ تَأَخُذَها؟ أَنْتَ أَهونُ عَلى اللهِ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ هذا أَنتَ فِي خُشُونَةِ مَلبَسِكَ وَجَشُوبَةِ مأكَلِكَ.
قَالَ : وَيحَكَ إِنِي لَستُ كأَنتَ ، إنَّ اللهَ فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ العَدلِ أَن يَقدِروا أَنفُسَهُم بِضَعَفَةِ النّاسِ كَيلا يَتَبَيَّغَ بَالفَقيرِ فَقرُهُ» (١).
١٢ ـ ونقرأ في رواية اخرى عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في حديثه لعبد الله بن مسعود في مسألة ذم الرهبانية والعزلة عن المجتمع وأنّه كان في بني اسرائيل نوع من الرهبانية في ظروف خاصة واستثنائية لم تكن من صميم الديانة المسيحية ، قال ابن مسعود : كنت رديف رسول الله صلىاللهعليهوآله على حمار.
فقال : يا بن ام عبد هل تدري من أين احدثت بنو اسرائيل الرهبانية.
فقلت : الله ورسوله أعلم.
فقال صلىاللهعليهوآله : «ظَهَرَتْ عَلَيهِم الجَبابِرَةٌ بَعدَ عِيسى يَعمَلُونَ بِمَعاصِي اللهِ فَغَضِبَ أَهلَ الإِيمانِ فَقاتَلُوهُم فَهُزِمَ أَهلِ الإِيمانِ ثَلاثَ مَرّاتِ فَلَم يَبقَ مِنهُم إلّا القَلِيلَ فَقَالُوا إِنْ ظَهرنا لِهَؤلاءِ أَفنونا وَلَم يَبقَ لِلدِّينِ أَحَدٌ يَدعُو إِلَيهِ ، فَتعالُوا نَتَفَرَّقُ فِي الأَرضِ إِلى أِنْ يَبعَثَ اللهُ النَّبِيَّ الَّذِي وَعَدنا بِهِ عِيسى عليهالسلام يَعنُونَ مُحَمَّداً صلىاللهعليهوآله فَتَفَرَّقُوا فِي غِيرانِ الجِبالِ وَأَحدَثُوا رَهبانِيَّةَ» (٢).
وعلى أية حال لم تكن الرهبانية من صميم الديانة المسيحية ، بل كانت سلوكاً خاصاً ظهر في ظروف خاصة على بعض أنصار السيد المسيح عليهالسلام حفاظاً على أنفسهم.
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٩.
٢ ـ مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٤٣ ، ذيل الآية ٢٧ من سورة الحديد.