وبالنسبة إلى إبراهيم عليهالسلام أيضاً نجد هذه الحالة الاستثنائية ، فقد رأينا أنّ إبراهيم عليهالسلام سعى بجديّة في خط التصدّي لقوى الانحراف والباطل وتبليغ الرسالة الإلهية بين الوثنيين ، ولكن عند ما رأى عدم التأثير وعاش حالة الخطر على نفسه فعند ذلك أمر بالهجرة واعتزال هؤلاء الناس.
ومن البديهي أنّ الإنسان في مثل هذه الظروف الحساسة ليس أمامه سوى الهجرة والاعتزال ، ولكن هذا المعنى لا يكون أصلاً أساسياً في التعاليم الدينية بل هو الاستثناء يتعلّق بظروف خاصة.
ويمكننا الاستشهاد على هذا الجمع بين الروايات بالقرائن الكثيرة ، فعند ما يختار الإمام الصادق عليهالسلام العزلة عن الناس يذكر الدليل على ذلك وأنّ فساد الزمان وتغيّر الاخوان وعدم إمكان التعاون مع الناس هو السبب في اختيار هذا السلوك الاستثنائي.
وقرأنا في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين أنّ سلامة الدين تكمن في العزلة ، فذلك يتعلّق بما إذا كانت المعاشرة مع الناس تهدّد إيمان الفرد وتعرّض دينه وعلاقته بالله تعالى إلى الاهتزاز والارتباك والخطر.
وأحياناً يعيش بعض الأشخاص ظروفاً خاصة بهم حيث نجدهم يعيشون ضعف الإيمان أمام مظاهر الفساد ، فلذلك قد يوحي هؤلاء الأشخاص بأن يعتزلوا المجتمع خوفاً عليهم من الابتلاء بمظاهر الفساد أيضاً كما هو المريض الذي يوصيه الطبيب بعدم الاختلاط مع الناس أو يوصي الطبيب الأفراد المسنّين بعدم الخروج الى الشارع خوفاً من التلّوث والتسمم ، ومعلوم أنّ مثل هذه التوصيات لا تشكل قاعدة عامّة وشاملة لجيمع الحالات والأفراد بل تختصّ بحالات استثنائية للمرضى والمسنّين والذين يعيشون الابتلاء بضعف القلب وخلل الجهاز التنفسي.
وعليه فلا يمكن تعميم هذه الحالات الاستثنائية إلى كل زمان ومكان بحيث يستكشف منها تعليمات كليّة في دائرة المفاهيم الإسلامية ، وعند ما نرى أنّ الإمام الصادق يوصي أحد أصحابه باعتزال الناس وأن لا يخرج من البيت حذراً من الوقوع في الغيبة والكذب