وأساساً فإنّ الكتب الإلهية تعود بالنفع على العباد أنفسهم ، فهي بمثابة دروس لهم ، لتربية أنفسهم ، فالباري تعالى غنيٌّ بذاته ولا يحتاج إلى أحد ، لا لطاعة العباد ولا عصيانهم ولا يضرونه بالعصيان شيئاً.
«الآية الثالثة» تحمل مضمون الآية السابقة حيث تستعرض لنا قصة «لقمان الحكيم» : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
الحكمة التي أتاها الله تعالى للقمان تشمل معرفة أسرار الكون والعلم بطرق الهداية والصلاح ، والطريقة المثلى للحياة الفردية والاجتماعية ، التي جاءت بصورة نصائح لقمان لابنه في سورة لقمان ، وهي موهبة إلهية ونعمة روحية أكّد الله تعالى على أهميّتها ، كما ذكر في الآية التي قبلها على أحدى النعم المعنوية ، حتى لا يغرق الناس في منزلقات النعم المادية ويتصورون أنّ النعم والمواهب الإلهية تنحصر في الماديّات فقط.
ويجدر هنا الإشارة إلى نقطتين :
«الأولى» إنّ الشكر أتى بصورة الفعل المضارع ، والكفران بصيغة الماضي ، وهي إشارة إلى أنّ مسير التكامل والرقيّ والقرب إلى الله تعالى يحتاج إلى المداومة على الشكر في حين أنّ لحظة من كفران بإمكانها أن تفضي إلى نتائج وخيمة وعواقب مؤلمة.
و «الثاني» إنّ الآية ركّزت على صفتي (الغني الحميد) ، بينما كان التركيز في آية النبي سليمان عليهالسلام على صفتي (الغني والكريم) وهذا الفرق يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الله تعالى غنيٌّ عن شكر المخلوقين ، فالملائكة تسبح بحمده وتقدسه على الدوام ، وإن كان غنيّاً عنهم أيضاً ، ولكن العباد بشكرهم يستوجبون المزيد من النعم عليهم.
«الآية الرابعة» انطلقت للحديث عن الأشخاص الذين يعيشون ضيق الافق وعدم الإيمان والتقوى ، فهم يعيشون الكفران للنعمة بكل وجودهم :
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ