في مصاديق الآية ويشمل جميع النعم الإلهية ، وما ذكر آنفاً يعدّ من مصاديقها الواضحة ، على الرغم من تصريح الآيات التي وردت بعدها بالأشخاص الذين تركوا الإسلام والتوحيد واختاروا الشرك وعبادة الأصنام ، ولكن هذه النماذج تعتبر أيضاً من مصاديقها البارزة.
وقال البعض الآخر : مثل الفخر الرازي والمرحوم الطبرسي في مجمع البيان ، إنّ سبب النزول لهذه الآية ناظر لأهل مكّة الذين أعطاهم الله تعالى أنواع النِعم وأهمها بعثة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله من بين ظهرانيهم ، ولكنهم لم يقدّروا تلك النعمة وكفروا بها ، فأصبحت عاقبتهم أليمة ، فكفرهم بنعمة الرسول صلىاللهعليهوآله هو نفس كفرهم بالله والرسالة!
ولكننا نعلم أنّ شأن النزول لا يخصص مفهوم الآية بمورد خاص.
وتأتي «الآية السابعة» لتتحدث عن جماعة أنعم الله تعالى عليهم بنعمة ظاهرة وباطنة ، نعمة الأمان والرزق الكثير والنعم المعنوية والروحية التي نزلت عليهم بواسطة نبيّهم ولكنّهم كفروا تلك النعم فعاقبهم الله تعالى بعقاب الجوع والخوف :
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)
اختلف المفسّرون بأن هذه الآية هل تشير إلى مكان بالخصوص أم إنّها مثال عام كلي ، فبعض يعتقد أنّها أرض مكّة ، وتعبير (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ ...) ، يقوي ذلك الاحتمال ، لأنّه ينطبق بالكامل على أحوال وشرائط مكّة ، إذ هي أرض جافة وصحراء قاحلة غير ذات زرع وماء ولكن الله سبحانه قد باركها وأنزل عليها النعم من كل مكان.
وتعبير (كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) هو قرينة اخرى على أنّها مكّة ، فأرض الحجاز غالباً ما كانت أرضاً غير آمنة إلّا مكّة وذلك ببركة وجود الكعبة الشريفة.
وعند ما وصلت النعم المادية على أهل مكّة إلى الذروة أتمها الله تعالى ببعثة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ولكنّهم كفروا النعم الماديّة والمعنوية ، فابتلاهم الله تعالى بالقحط والخوف ، وهذا هو مصير من كفر بأنعم الله تعالى.