ضعف ، فسوف تنكشف من خلال التجسس ، وبالتالي تكون موضوعاً للغيبة.
هذا وأنّ القرآن الكريم اهتمّ بمسألة الغيبة في هذه الآية أكثر من اهتمامه بمسألة سوء الظن والتجسس حيث تحرك في استجلاء مضمونها من موقع الاستدلال وقال :
(وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ).
هذا التشبيه يشكل في الواقع دليلاً منطقياً يبيّن جميع أبعاد المسألة ، فالشخص الغائب قد شبّه هنا بالميت ، والرابطة معه هي رابطة الاخوة ، وسمعته وشخصيته بمثابة جسده ، وغيبته بمثابة أكل لحمه ، وهو العمل الذي ينفر منه وجدان كل فرد مهما كان ضعيفاً ، ولا يجد كل إنسان الاستعداد لارتكابه حتى في أشدّ الظروف وأقسى الحالات.
وهذا التشبيه يمكن أن يكون إشارة إلى نكات اخرى كثيرة : فمن جهة أنّ الشخص الغائب مثل الميت في عدم قدرته على الدفاع عن نفسه ، والتهجم على من لا يقدر على الدفاع عن نفسه يعدّ من أسوأ الحالات الأخلاقية في الدناءة والحقارة.
ولا شك أيضاً أن تناول الميتة لا يتسبب في سلامة البدن والروح ، بل يفضي إلى الابتلاء بأنواع الأمراض ، وعليه فإنّ المستغيب إذا ما استطاع اطفاء نار حسده وحقده بواسطة الغيبة وبصورة مؤقتة ، فسوف لا يمضي وقت طويل حتى تورق بذور المفاسد الأخلاقية التي زرعها في قلبه وتعمل على زيادة قلقه وتوتره النفسي.
وكما أنّ الحيوان أو الإنسان الآكل للميتة يتسبب في انتشار الأمراض والميكروبات في الوسط الذي يعيش فيه ، فكذلك الشخص المستغيب يعمل على إشاعة الفحشاء والمنكر بين المسلمين بذكره عيوب وذنوب الآخرين المستورة.
عند ما يذكر القرآن الكريم هذا المثال بتفاصيله الدقيقة فإنّه يروم إلى تثوير وجدان الإنسان وفطرته تجاه هذا الذنب الكبير ، ولعل هذا هو السبب في حكاية الآية المثال المذكور بصيغة سؤال لكي يجد الإنسان الجواب بنفسه في أعماق وجدانه وبالتالي يكون تأثيره أكبر في واقع الإنسان وأحاسيسه حيث تقول الآية : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً؟).