والصفات الباطنية ويجهر بها أمام الناس ، فهو يقوم بتدمير شخصيته وتحطيم كيانه قبل أن يحطّم شخصية الآخرين الذين يغتابهم.
وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي أنّه لا بدّ لترك الغيبة وخاصة فيما لو أصبحت عادة لدى الشخص ، أن يقوم قبل كل شيء بفرض الرقابة الشديدة على لسانه وكلماته ويتحرّك من موقع الضغط الأخلاقي في دائرة الكلام ، وكذلك ينبغي له أن يتجنّب معاشرة الأصدقاء الذين لا يجدون حرجاً في ممارسة الغيبة ويدفعونه بهذا الاتجاه ويترك المجالس المهيئة للغيبة ، بل وجميع الامور التي توسوس له في ممارسة الغيبة.
وفي حديث شريف عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «ما عُمِّرَ مَجلِسٌ بالغَيبَةِ إلّا خَرِبَ مِنْ الدِّينِ» (١).
الملاحظة الاخرى هي أنّ أحد دوافع الغيبة هو السعي لتبرئة الذات والدفاع عنها ، مثلاً أن يقول : إذا كنت قد إرتكبت هذا الذنب ، فإنّ من هو أفضل منّي وأعلم قد ارتكبه أيضاً ، والحال أنّ تبرئة الذات لها طرق اخرى كثيرة لا تنتهي بهذا الذنب الكبير أي ـ الغيبة ـ وأساساً فإنّ الاعتراف بالخطأ في هذه الموارد يكون أسلم عذر وأفضل سبيل لتدارك الخطأ ، مضافاً إلى أنّ أحد الأخطاء الكبيرة لدى الإنسان أن يقارن بينه وبين الفاسقين والأراذل من الناس ويترك المقارنة بينه وبين الأخيار والصلحاء من أفراد المجتمع.
أحياناً يتحرّك الشخص لتبرئة نفسه وتبرير سلوكه إلى التشبث بهذا العذر وهو أنني عند ما رأيت العالم الفلاني قد إنحرف على مستوى السلوك وارتكب الذنوب زالت عقيدتي وضعف إيماني وأصبحت في أمر العقيدة بالمبدأ والمعاد غير مكترث ، هذه المعاذير والتبريرات هي المصداق الأتم لمقولة العذر أقبح من الذنب ، ويترتب على ذلك عواقب خطرة جدّاً ، فما أحرى بالإنسان أن يعترف بخطئه ويسعى في تعامله مع الآخرين في حمل سلوكياتهم وأفعالهم على الصحة ، وعلى فرض أنّ أحد القادة أو العلماء أو الجهّال تصرّف من موقع الإنحراف وارتكب بعض الذنوب ، فلا يكون ذلك مسوّغاً للآخرين على سلوك هذا
__________________
١ ـ روضة الواعظين ، ص ٥٤٢.