المؤمنين ، والشوق في المحبين ، والوله في المشتاقين ، والمعرفة في الوالهين ، والفناء في العارفين.
قيل : الخلق الحسن ، وقيل : الصوت الحسن.
قال الأستاذ : الفصاحة في النطق ، ثم بيّن سبحانه أن هذه النعم غير مكتسبة ولا لها مانع بدفع عمن اختاره الله بها ، ولا هي مستجلبة بتمنى المتمنين بقوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) : الرحمة هاهنا المعرفة بالله والاصطفائية الأزلية ، فإذا فتح على ولي من أوليائه أبواب كنوز لطائف أنوار صفاته وذاته وجعله بصيرا لأمر الكونين وعالما بمراد الله منه لا يدفع عنه ذرة من ذلك جميع الخلق ؛ فإنه يختص برحمته من يشاء.
قال أبو عثمان : ما يفتح الله لقلوب أوليائه من القربة والإنابة والأنس لو اجتمع الخلق كلهم على أن يمسكوه عن ذلك لعجزوا عنه وما أمسكوا ما أرسل الله ، ومن أغلق الله قلوبهم عن الإنابة إليه والقرب منه ، فلو اجتمع الناس على أن يفتحوه ما قدروا على ذلك وعجزوا عنه ، ثم إنه تعالى لما بيّن موضع الخاصية في افتتاح نعمه على الصادقين حثهم على تذكر نعمه وشكر ما أنعم عليهم من لطائف جوده بنعت إفراد قدمه عن الحدوث بوصف نفي الأنداد عن جلال كبريائه بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ، ذكره معرفته ونعمته ومشاهدته ، فوجبت حقوق المعرفة والمشاهدة على من عرفه وشاهده بأنه أسقط الأسباب بينه وبين خالقه فيما أولاه من أرزاق وصلته ولطائف قربته.
قال ابن عطاء : من علم أنه لا رازق للعباد غيره ثم يتعلق قلبه بالأسباب فهو من المبعدين عن طريق الحقائق.
قال القاسم : يرزقكم من السماء الهداية ومن الأرض أسباب الغذاء والحفظ والبقاء وما سنح لي من معنى السماء والأرض هاهنا السماء عالم الربوبية يرزقهم منها لطائف علوم المعارف وأنوار جلاله الكواشف ، والرزق هناك التجلي والجذب والكشف بالبديهة وواردات المواجيد وسني المخاطبات ، والأرض عالم العبودية يرزقهم منها صفاء المقامات ولطيف المعاملات وسنا الحكم والفراسات ، وأيضا السماء إشارة إلى الروح ، والأرض إشارة إلى القلب ، والرزق الذي يبدو من عالم الروح علوم المعرفة ، وما ينبت من أرض القلب فهي علوم الحكمة.
(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي