قال سهل : هو المجادلة في الذات دون الفروع.
وقال : (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) : ابتدعوا غير الحق.
قال الخواص : ما كانت زندقة ، ولا كفرا ، ولا بدعة ، ولا جرأة في الدين ، إلا من قبل الكلام ، والجدال ، والمراء ، والعجب ، وكيف يجترئ الرجل على الجدال والمراء ، والله يقول : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا.)
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) وصف الله عراف ملائكته الذين ألبسهم الله قوة جبروته ، ونور ملكوته ، وهم اللاهوتيون يحملون كنز الأعظم بعظمة الله وقوته ، والسكر من شراب قربه ومحبته ، وفيض مشاهدته ، يطيرون في هواء هويته بالأجنحة القدوسية ، والرفارف السبوحية ، مع مرآة الوجود ، وكنوز الجود حيث يشاء الحق سبحانه من الأماكن والمشاهد ، يسبحون مما يجدون منه القدس والتنزيه ، حمدا لأفضاله ، وبأنه منزه عن النظير والشبيه ، يؤمنون به في كل لحظة بما يرون منه من كشوف صفات الأزليات ، وأنوار حقائق الذات التي تطمس في كل لمحة مسالك رسوم العقليات ، وهم يقرون كل لحظة بجهلهم عن معرفة وجوده.
ثم بيّن أنهم أهل الرقة والرحمة والشفقة على أوليائه ؛ لأنهم إخوانهم في نسب المعرفة والمحبة ، يستغفرون لهم حين أقروا كلهم بأنه تعالى لا يدركه غوص الأوهام ، ولا يحويه بطون الأفهام ، سألوا غفرانهم لما جرى على قلوبهم من أنهم على شيء في معرفته : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أوجدت الوجود برحمتك القديمة ، وعلمك الأزلي حتى لا يخلو ذرة من العرش إلى الثرى من رحمتك وعلمك ، وجعلت الكل مرآة لنفسك ، تجليت منها لأهل الخضوع من العارفين تظهر أنوار جمالك منها لأهل رحمتك ، وهم أهل المحبة والعشق والشوق ، وتبرز منها بنعت الجلال والألوهية والقدم والبقاء لأهل المعرفة والتوحيد.
(فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (٧) أي : اغفر للذين تابوا من وجودهم في وجودك ، ورجعوا من دونك إليك ، واستقاموا سبيل المعرفة بعظمتك وجلالك ، وعجزهم عن إدراك عزتك بأنك تأويهم إلى أكناف قربك ، وتريحهم من صولة جبروتك ، بما تكاشف لهم من جمال سرمديتك ، عجبت من رحمة الملائكة المقربين كيف تركوا المصرين على الذنوب عن استغفار هذه قطعة زهد وقعت في مسالكهم؟ أين هم من قول سيد البشر صلىاللهعليهوسلم حين آذوه قومه ، قال : «اللهم اهد قومي ؛ فإنهم لا يعلمون» (١).
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١٢٨٢) ، ومسلم (٣ / ١٤١٣).