أعموا الأشياء بالرحمة ثم أخصوا منها التائبين ، يا ليت لو بقوا على القول الأول ، وسألوا الغفران للجميع التائبين والعاصين.
قال ابن عطاء في هذه الآية : من خلقوا مطيعين قائمين لله بالتسبيح والتنزيه ، يستغفرون لمذنبي المؤمنين ، وهم غافلون عن الندم على ذنوبهم والاستغفار منها.
قال بعضهم : الطالب للمغفرة من يتبع الرشد ، ويخالف نفسه ومراده.
وقال سهل في قوله : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) : من الغفلة وأنسوا بالذكر واتبعوا سنة المصطفى صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) يرفع درجات المريدين إلى الكرامات ، ويرفع درجات المحبين إلى المشاهدات ، ويرفع درجات العارفين إلى معرفة الذات والصفات ، ويرفع أهل المواجيد إلى شهود الجمال ، وأهل السلوك إلى مشهد العظمة والجلال ، ويرفع الزاهدين إلى الجنان ، ويرفع المنقطعين إليه إلى درجة الإيقان والعرفان ، ويرفع النفوس بعد تقديسها بالمجاهدة والرياضة إلى جنته ، ويرفع العقول إلى رؤية أنوار سلطانه في برهانه ، ويرفع الأرواح إلى قرب مجالس الأنس ، ويرفع الأسرار إلى مراقي القدس ، ويرفع إليه سرّا خالصا من جميع الدرجات حتى لا يبقى بينه وبين الحق درجة ، وصار أنوار الذات والصفات منازل شهوده فيكشف كل نور له فيغيب في الأنوار ، ويفنى في الأسرار ، ثم يفنى في البقاء ، ويبقى الحق بالحق ولا فوق الحق إلا الحق ، وهو فوق كل الدرجات بقهر الربوبية وسلطنة الكبرياء ، وذلك قوله : (ذُو الْعَرْشِ) أي : ذو العرش الذي يحيط بجميع الكائنات ، وهو أقل من خردلة في جلال عزة كبريائه ذكر العرش على حد العقول ؛ لأن العقل لا يصل إلا إلى مثله وهناك عالم العقل فتستقر العقول هناك ، وهو متعلق بأفعاله تعالى ، والأفعال قائمة بصفاته ، وصفاته قائمة بذاته ، وذلك سر استوائه على العرش فجواب الاستواء قوله : (ذُو الْعَرْشِ) أي : مقهور لسلطان عزته ، محتاج إلى لباس نور قدرته ، مكون بإيجاده تعالى الله بذاته وصفاته عن أن يشهده الأماكن والجهات ، هو منور بنور تجلي صفاته ، وهو مرآة فعله يظهر منها مقدرات الآيات ، وقضيات العلم والقضاء والقدر ، وهو روح فعلي فوقه روح صفتي ، وفوق تلك الروح روح ذاتي ، وذلك تجلي الصفات ، وتجلي الذات يلقى تلك الأرواح على من يشاء من خلقه ، فروح الأفعال للمؤمنين ، وروح الصفات للمحبين ، وروح الذات للعارفين ، وذلك قوله : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) فيقع الأمر على ما ذكرنا ، فأمره فعله ، وقوله وصفاته وذاته ، فظهور نور الذات أمر خاص للأنبياء والمرسلين ، وظهور نور الصفات أمر خاص لأهل المعرفة والتوحيد ، ونور العقل أمر بديهي لأهل محبته والموقنين في رؤية آياته ، فهؤلاء مخصوصون