ملك المبشرات علموا أن ذلك وقت ظهور المقصود وحصول المأمول.
إذا أقبلت من نحوكم بهبوب |
|
وإني لأستهدي الرياح نسيمكم |
قال ابن عطاء : يرسل رياح الندم بين يدي التوبة.
قال أبو بكر بن طاهر : إن الله يرسل إلى القلب ريحا ، فيكفه من المخالفات ، وأنواع الكدورات ، ويصفيه لقبول الموارد عليه ؛ فإذا صادف القلب ذلك الريح فتنسم نسيمها ثم اشتاق إلى الزوائد من فنون الموارد فيكرمه الله بالمعرفة ، ويزينه بالإيمان ، ألا تراه يقول : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) الاشتياق على قلوب الأحباب فتزعجها عن المساكنات ، ويطهرها ما عن كل شيء إلا عن اللوائح ؛ فلا تستقر إلا بالكشف والتجلي.
ويقال : إذا انتسمت القلوب نسيم القرب هام في ملكوت الجلال ، وأمحى من كل رسوم ومعهود ، ثم زاد المنة سبحانه بذكره وصف مياه الكرم الذي يطهر به قلوب أحباب وجه القدم من لوث غبار العدم بقوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٤٨) انشأ في الأول سحائب الرحمة ، وبشر رياح الزلفة ، ثم مطر مطر الخطاب والكلام من بحر الذات والصفات على أرض قلوب أهل المشاهدات ، فطهرها عن صفات البشريات وأحياها من موت الغفلات ، وأنبت فيها أشجار المعرفة ، ورياحين المحبة ، وذلك قوله تعالى : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) ، ثم جعل قلوبهم سواقي المعارف والكواشف ، فيفيض سقيها إلى الأرواح والأشباح ، قال تعالى : (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) (٤٩).
قال بعضهم : طهّر قلوبهم ببركاته عن المخالفات ، وطهّر أبدانهم بظاهر رحمته من جميع الأنجاس.
قال النصرآبادي : هو الرش الذي يرش من مياه المحبة على قلوب العارفين ، فيحيى به نفوسهم بإماتة الطبع فيها ، ثم يجعل قلبه إماما للخلق بفيض بركاته عليهم ، فيصيب بركات نور قلبه من كل ذوات الأرواح ، قال الله تعالى : (وَنُسْقِيَهُ ...) الآية.
قال الأستاذ : أنزل من السماء ماء المطر فأحيا به الرياض والغياض ، وأنبت به الأزهار والأنوار ، وأنزل من السماء ماء الرحمة ، فغسل للعصاة ما تلطخوا به من الأوضار ، وتدنسوا به من الأوزار ، وماء الحياء يطهر قلوب العارفين عن الجنوح إلى المساكنات ، وما في بعض الأحوال يتداخلها من الغفلات ، وماء الرعاية فيحيي به قلوب المشتاقين مما يتداركها من أنوار التجلي حتى يزول عنها عطش الاشتياق ، ويحصل فيها من سكنة الاستقلال ، ويحيي به نفوسا ميتة اتباع الشهوات ، فيردها إلى القيام بالعبادات ، ثم مرج سبحانه بحر المعرفة ، وبحر