وأما في المقام الثاني ، فلسقوط أحدهما بالاطاعة ، والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان ، ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد (١)؟
______________________________________________________
(١) لما فرغ من اثبات الامتناع شرع في التعرض لادلة المجوزين التي منها ما اشار اليه بقوله : ((لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبائع لا الافراد)).
وحاصله : وقد مرّ بعض الكلام فيه في الأمر التاسع ، انه لو كان متعلق الأمر والنهي هو الافراد للزم اجتماع الضدين لتضاد الحكمين المجتمعين في الفرد الواحد الذي هو الماهية الموجودة بما لها من المشخصات ، خصوصا بناء على ان تشخص الطبيعة بما يلازمها من المقولات المقارنة لها في الوجود ، فان الفرد الصلاتي ـ مثلا ـ هو المطلوب بما له من المشخصات المقارنة له التي منها كونه في المكان المغصوب ، فيكون الفرد بما له من التشخص الغصبي مطلوبا وتشخصه الغصبي منهي عنه فيجتمع الحكمان المتضادان في الوجود الواحد بتشخصه.
واما اذا كان متعلق الأمر والنهي هي الطبائع وحيث ان الطبيعة من دون تقيدها بالوجود لا يتعلق بها غرض وانما تكون متحملة للغرض حيث تقيّد بالوجود ولا داعي لكون المتعلق هو وجودها ، اذ الظاهر ان نفس الطبيعة هي المتعلق ، ولكن علمنا عقلا انها بما هي لا تكون متحملة للغرض ، فلا بد من مخالفة الظاهر بمقدار الحاجة وهو كون الطبيعة مقيدة بالوجود بنحو ان يكون التقيد داخلا والقيد خارجا ، اذ لا داعي إلى دخول القيد بعد ان كان التقيد به كافيا ، واذا كان متعلق الأمر والنهي هو الطبائع المقيدة بالوجود بنحو ان يكون القيد خارجا ، ففي مقام تعلق الأمر والنهي فالوجود خارج عن متعلق الحكمين فلا اجتماع لهما في مجمع واحد ، اذ متعلق كل منهما طبيعة غير الطبيعة المتعلق بها الآخر فانهما انما يجتمعان في مقام التعلق اذا كان الوجود داخلا ، وقد عرفت خروجه عما هو المتعلق ، اذ المفروض ان المتعلق لكل منهما هو طبيعة غير الطبيعة الأخرى.