قوله (ما خَلَقْناهُما) بيان للجملة قبلها ، أي ما خلقنا السموات والأرض (إِلَّا بِالْحَقِّ) أي إلا لأمر كائن وهو الاستدلال على الوحدانية ، وقيل : لمنفعة الخلق (١) ، وقيل : للأمر والنهي والترغيب والترهيب (٢)(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٣٩] أي لا يفقهون ذلك ولا يصدقون.
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢))
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) أي يوم القضاء بين الخلق وهو يوم القيامة (مِيقاتُهُمْ) أي ميعادهم (أَجْمَعِينَ) [٤٠] أي الأولين والآخرين.
قوله (يَوْمَ لا يُغْنِي) بدل من (يَوْمَ الْفَصْلِ) ، أي يوم لا ينفع (مَوْلًى عَنْ مَوْلًى) أي ولي عن ولي قريبا كان أو أجنبيا (شَيْئاً) من الشفاعة أو من دفع العذاب (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [٤١] أي يمنعون مما نزل بهم من العذاب.
قوله (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) من المؤمنين ، فانه يشفع له ويشفع بدل من ضمير «يُنْصَرُونَ» (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) للكافرين بالانتقام (الرَّحِيمُ) [٤٢] بالمؤمنين بالفضل والثواب.
(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧))
(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ [٤٣] طَعامُ الْأَثِيمِ) [٤٤] أي الكثير (٣) الإثم وهو أبو جهل والوليد وأصحابهما (كَالْمُهْلِ) أي كالصفر المذاب أو كدري الزيت (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) [٤٥] بتاء التأنيث ، أي الشجرة ، وقرئ بياء التذكير (٤) ، أي المهل ، والتشبيه في الذوب لا في الغليان (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [٤٦] أي الماء الحار الذي انتهى حره فيؤمر بالقاء الكافر في النار فيقال للزبانية (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) بضم التاء وكسرها (٥) ، أي جروه بجفوة وغلظة شديدة (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) [٤٧] أي وسطها.
(ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩))
(ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) [٤٨] ولم يقل من الحميم ليكون أهول وأهيب ، ويقول له الملائكة استهزاء به (٦)(ذُقْ) العذاب (إِنَّكَ) بكسر الهمزة وفتحها (٧)(أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [٤٩] في زعمك ، لأنه كان يقول في الدنيا للنبي عليهالسلام أنا أعز أهل الوادي وأمنعهم فو الله لن تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلاني شيئا.
(إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢))
(إِنَّ هذا) أي العذاب (ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) [٥٠] أي تشكون في الدنيا أو تجادلون فيها بالباطل (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين وحدوا الله وأطاعوه (فِي مَقامٍ) بضم الميم وفتحها (٨)(أَمِينٍ) [٥١] أي في مكان ذي أمانة لمن نزله لا خيانة له ، لأن المكان المخيف كأنه يخون لنازله لما يلقى فيه من الخوف ، قوله (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [٥٢] بدل من «من مقام أمين».
(يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣))
(يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) الجملة حال من ضمير فاعل (فِي جَنَّاتٍ) ، أي لابسين من الجنسين ، يعني
__________________
(١) هذا المعنى منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٢١٩.
(٢) أخذ المفسر هذا المعنى عن السمرقندي ، ٣ / ٢١٩.
(٣) الكثير ، وي : كثير ، ح.
(٤) «يغلي» : قرأ ابن كثير وحفص ورويس بياء التذكير ، والباقون بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ٢٩٢.
(٥) «فاعتلوه» : ضم التاء نافع وابن كثير وابن عامر ويعقوب ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٩٢.
(٦) به ، وي : بهم ، ح.
(٧) «إنك» فتح الهمزة الكسائي ، وكسرها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٩٢.
(٨) «مقام» : ضم الميم المدنيان والشامي ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٩٢.