(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠))
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) أي بيعة الرضوان بالحديبية تحت الشجرة ، وخبر «إِنَّ» (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) أي كانما يبايعون الله ، لأنها بأمره تعالى نحو من يطع الرسول فقد أطاع الله أو يبايعون لله ، أي لأجله وطلب رضوانه وكانت الشجرة أم غيلان (١) أو السمرة (٢) ، وهم يومئذ ألف وخمسمائة وأربعون رجلا ، قوله (يَدُ اللهِ) مبتدأ ، خبره (فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي يده بالنصرة فوق أيديهم بالطاعة (فَمَنْ نَكَثَ) أي نقض العهد والبيعة (فَإِنَّما يَنْكُثُ) أي يرجع وبال نقضه (عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ)(٣) ، من البيعة (٤) بضم الهاء وكسرها في «عليه» (٥) ، أي أتمه بحفظه ولم ينقضه (فَسَيُؤْتِيهِ) بالنون والياء (٦)(أَجْراً عَظِيماً) [١٠] أي الجنة فما فوقها.
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١))
قوله (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ) نزل حين أراد النبي عليهالسلام أن يسير من المدينة إلى مكة عام الحديبية لزيارة الكعبة ، وطلب ناسا من الأعراب ليرتحلوا معه ، وكانت منازلهم بين مكة والمدينة فتخلوا عنه جبنا واعتلوا بالأموال والأولاد (٧) ، فأخبر الله رسوله قبل ذلك أنه إذا رجع إليهم استقبلوه بالعذر وهم كاذبون بقوله «سيقول لك المخلفون» (مِنَ الْأَعْرابِ) عن الحديبية إذا رجعت إليهم (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) أي خفنا عليهم الضيعة (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) الله في التخلف ليغفر لنا تخلفنا عنك (يَقُولُونَ) أي يظهرون (بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) لأنهم لا يبالون باستغفارك استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم وهم كاذبون في اعتذارهم (قُلْ) يا محمد (فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي من يقدر أن يمنع عنكم من عذاب الله شيئا (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) بفتح الضاد وضمها (٨) ، أي قتلا وهزيمة (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) أي نصرة وغلبة ، المعنى : لا يقدر على دفع ضر ولا جلب نفع إلا الله تعالى (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [١١] أي عالما بتخلفكم عني وبنياتكم (٩).
(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢))
(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ) أي منعكم من السير معه أنكم ظننتم أن لن يرجع الرسول (وَالْمُؤْمِنُونَ) من الحديبية (إِلى أَهْلِيهِمْ) بالمدينة (أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ) أي زين الشيطان التخلف (فِي قُلُوبِكُمْ) وحسنه (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) أي حسبتم الظن القبيح (وَكُنْتُمْ) أي وصرتم (قَوْماً بُوراً) [١٢] أي هلكى بتخلفكم فأكذبهم الله تعالى في اعتذارهم ، و (بُوراً) جمع بائر وهو الهالك.
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣))
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) في السر والعلانية معا (فَإِنَّا أَعْتَدْنا) أي هيأنا (لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) [١٣] أي نارا مسعرة ، يعني موقدة.
__________________
(١) عن محمد بن الحسن ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٥٣.
(٢) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٥٣.
(٣) أي ، + ح.
(٤) من البيعة ، وي : بالغلبة ، ح.
(٥) «عليه» : قرأ حفص بضم هاء الضمير وصلا ، والباقون بكسرها ولا يخفى إسكانها وقفا للجميع. البدور الزاهرة ، ٢٩٩.
(٦) «فسيؤتيه» : قرأ المدنيان والمكي والشامي وروح بالنون ، وغيرهم بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ٢٩٩.
(٧) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٥٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ١٦٩ ـ ١٧٠ ؛ والكشاف ، ٦ / ٤.
(٨) «ضرا» : قرأ الأخوان وخلف بضم الضاد ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٩٩.
(٩) وبنياتكم ، وي : ونياتكم ، ح.