(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤))
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له نفاذ الأمر فيهما (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) على الذنب الكبير لمن تاب (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) على الذنب الصغير لمن أصر (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب (رَحِيماً) [١٤] لمن أطاع.
(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥))
(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) عن الحديبية (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ) أي إلى (١) غنائم خيبر (لِتَأْخُذُوها ذَرُونا) أي اتركونا (نَتَّبِعْكُمْ) في هذا الغزو (٢)(يُرِيدُونَ) حال من (الْمُخَلَّفُونَ) ، أي يقصدون (أَنْ يُبَدِّلُوا) أي يغيروا (كَلامَ اللهِ) أي ما قال الله لرسوله وهو لا تأذن لهم في غزوة أخرى لغنائم خيبر أو قوله لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) في السير إلى خيبر (كَذلِكُمْ) أي كقولي لكم (قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) أي قبل عودنا من الحديبية (فَسَيَقُولُونَ) للمؤمنين لم ينهكم الله عن ضمنا معكم في السير إلى غزوة أخرى (بَلْ تَحْسُدُونَنا) على ما نصيب معكم من الغنائم ، فلذلك قلتم هذا القول ففي هذا الإضراب رد كون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد للمؤمنين ، فقال الله تعالى (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) أي لا يعقلون من الدين (إِلَّا قَلِيلاً) [١٥] منهم وهم (٣) المخلصون ، وفي هذا الإضراب إعراض (٤) عن وصفهم بنسبة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بشيء هو أكبر من ذلك وهو الجهل في الدين.
(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦))
ثم أمر نبيه عليهالسلام أن يخبر بعده لهم بما (٥) سيقع منهم من الإطاعة والعصيان بقوله (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ) عن الحديبية (مِنَ الْأَعْرابِ) اختيارا مخافة القتال (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ) أي حرب (شَدِيدٍ) قيل : هم بنو حنيفة (٦) أو أهل فارس (٧) أو هوازن (٨) ، قاتلهم أبو بكر بعد النبي عليهالسلام ، قوله (تُقاتِلُونَهُمْ) حال مقدرة وعطف عليه (أَوْ يُسْلِمُونَ) أي ينقادون للإسلام بترك الشرك وهو معطوف على (تُقاتِلُونَهُمْ) ، والمراد أحدهما إما المقاتلة منكم أو الإسلام منهم ، أي من مشركي العرب لا الصلح معهم ، والمعنى : انكم تقاتلونهم أو هم يدخلون في دين الله ولم تأخذوا منهم الجزية (فَإِنْ تُطِيعُوا) أيها المخلفون ، أي إن تحسنوا القتال وتخلصوا لله تعالى في ذلك الحرب (يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) في الآخرة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) أي تعرضوا عن الجهاد (كَما تَوَلَّيْتُمْ) أي أعرضتم عن الإجابة (مِنْ قَبْلُ) أي حين دعيتم إلى الحديبية (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [١٦] أي مؤلما دائما.
(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧))
قوله (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) نزل في شأن الضعفاء والعجزة عن الجهاد ، إذ قالوا كيف إذا دعينا إلى قتال الكفار ولا نستطيع الخروج فيعذبنا الله تعالى لقوله (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) الآية (٩) ، فقال ليس على الأعمى حرج ، أي إثم في التخلف (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في السر والعلانية
__________________
(١) إلى ، ح و : ـ ي.
(٢) في هذا الغزو ، ح و : في هذه الغزوة ، ي.
(٣) وهم ، ح و : وهو ، ي.
(٤) إعراض ، وي : الإعراض ، ح.
(٥) بما ، ح ي : ما ، و.
(٦) عن الزهري ومقاتل ، انظر البغوي ، ٥ / ١٧٢.
(٧) عن ابن عباس ومجاهد وعطاء ، انظر البغوي ، ٥ / ١٧١.
(٨) عن سعيد بن جبير ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٥٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٧٢.
(٩) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ١٧٢.