أهل خيبر (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) أي لانصرفوا منهزمين (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) أي قريبا ينفعهم (وَلا نَصِيراً) [٢٢] أي ناصرا يمنعهم من الهزيمة.
(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣))
(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ) أي مضت (مِنْ قَبْلُ) أي قبلك ، يعني سن الله غلبة رسله (١) سنة وهي قوله «لَأَغْلِبَنَّ أَنَا رسولي» (٢) (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [٢٣] أي تغييرا.
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤))
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ) أي منع (أَيْدِيَهُمْ) أي أيدي المشركين من أهل مكة (عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) أي عن أهل مكة (بِبَطْنِ مَكَّةَ) أي بالحديبية أو بالتنعيم (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) لأنه كان صلىاللهعليهوسلم قد هبط عليه قوم خرجوا من مكة يوم الحديبية متسلحين يريدون غرته ، فدعا عليهم فأخذت أبصارهم فأخذوا سلما ، وخلى النبي عليهالسلام سبيلهم بأمره تعالى ، وقيل : جاؤا ورموا المسلمين فرماهم المسلمون بالحجارة حتى أدخلوا بيوت مكة (٣)(وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [٢٤] أي بحرب بعضكم بعضا ، قرئ بالياء والتاء (٤).
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥))
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي منعوكم عن دخوله والتطوف به (وَالْهَدْيَ) أي وصدقوا الهدي وهو ما يهدى إلى البيت لينحر في محله وهو الحرم (مَعْكُوفاً) حال من (الْهَدْيَ) ، أي محبوسا عن دخول مكة وهي سبعون بدنة ، قوله (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) بدل من (الْهَدْيَ) بدل اشتمال ، أي صدوا أن يبلغ الهدي محله ، أي مكان حلوله ووجوبه كمحل الدين ، يعني مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو منى للحاج والصفا للمعتمر ، قيل : إن النبي عليهالسلام قد نحر بالحديبية ، لأن محل هدي المحصر حيث أحصر ، وعليه الشافعي رحمهالله ، وقيل : بعض الحديبية من الحرم ، فمحل هديه الحرم لكنه ليس بمعهود للنحر ، وبذلك تمسك أبو حنيفة رحمهالله على أن المحصر محل هديه الحرم (٥)(وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) بمكة (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) صفة (رِجالٌ) و (نِساءٌ) ، وقوله (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بدل اشتمال من (رِجالٌ) و (نِساءٌ) والوطئ الإهلاك بغفلة ، قوله (فَتُصِيبَكُمْ) بالنصب عطف على (تَطَؤُهُمْ) ، أي فتلزمكم (مِنْهُمْ) أي لأجل قتلهم (مَعَرَّةٌ) أي مشقة وإثم ودية (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بغير معرفة منكم بهم أو يصيبكم منهم تعيير من المشركين بذلك القتل ، المعنى : لو لا جماعة مؤنون مختلطون بالمشركين بمكة لا تعرفونهم ولا تميزونهم من الكافرين فتقتلونهم معهم فيلزمكم بذلك إثم وكفارة ودية ، وقول المشركين أنهم قتلوا أهل دينهم كما قتلونا من غير تمييز ، وجواب (لَوْ لا) محذوف وهو لما كف الله أيديكم عنهم لدلالة الكلام السابق عليه ولكن منعناكم عن دخول مكة خوفا على المؤمنين ، قوله (لِيُدْخِلَ اللهُ) تعليل لمعنى (٦) الآية السابقة الدالة عليه كأنه قال كان الكف والمنع من التعذيب ليدخل الله (فِي رَحْمَتِهِ) أي في توفيقه لزيادة الخير والطاعة لمؤمنيهم (٧) أو ليدخل في الإسلام من مشركيهم (مَنْ يَشاءُ) الله ممن رغب فيه منهم ، ثم أكد مضمون ذلك بقوله (لَوْ تَزَيَّلُوا) أي لو تميز بعضهم من بعض ، يعني
__________________
(١) رسله ، ح و : رسوله ، ي.
(٢) المجادلة (٥٨) ، ٢١.
(٣) هذا منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٢٥٧.
(٤) «تعملون» : قرأ أبو عمرو بالياء التحتية ، وغيره بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ٣٠٠.
(٥) نقل المؤلف هذه الآراء عن الكشاف ، ٦ / ٧.
(٦) لمعنى ، و : بمعنى ، ح ي.
(٧) لمؤمنيهم ، ح : مؤمنينهم ، وي.