المؤمنين (١) من الكافرين (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالسيف (مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [٢٥] أي وجيعا.
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦))
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي اذكر وقت جعل الكافرين يعني أهل مكة (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) أي الأنفة وأبدل منها (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) حيث قالوا حين نزل النبي عليهالسلام بالحديبية برسالة جماعة منهم إليه قتل محمد آباءنا وإخواننا ثم أتانا ليدخل علينا في منازلنا ، والله لا ندخله علينا لئلا يقول المسلمون دخلنا البيت على رغم أنفهم فليرجع عنا من هذا العام على أن نخلي بينه وبين البيت من العام القابل ثلاثة أيام ، فسمع ذلك منهم رسول الله عليهالسلام أو هي إنكارهم رسالته ومنعهم من كتابة (٢) «بسم الله الرحمن الرحيم» في كتاب المصالحة حيث قال عليهالسلام لعلي رضي الله عنه : «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة» ، فقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب باسمك اللهم هذا ما صالح محمد بن عبد الله ، فقال عليهالسلام : «اكتب ما يريدون» ، فهم المسلمون أن يمنعوا ذلك (٣)(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أي طمأنينته (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي لم يلحقهم الحمية ، يعني حمية الإسلام ، بل حلموا وتوقروا وسكنوا ، لأنه تعالى أراد ذلك منهم لحكمة يعلمها (وَأَلْزَمَهُمْ) أي ألهمهم (كَلِمَةَ التَّقْوى) وهي الوفاء بالعهد وأضافها إلى التقوى ، لأنه سبب التقوى وأساسها (وَكانُوا) أي كان المسلمون (أَحَقَّ بِها) أي بكلمة التقوى ، يعني يحفظ العهد من كفار مكة (وَ) كانوا (أَهْلَها) أي أهل هذه الكلمة في علم الله تعالى (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [٢٦] أي بمن كان أهلا للإيمان وغيره.
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧))
قوله (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ) نزل حين رأى النبي عليهالسلام في النوم قبل الخروج إلى الحديبية أنه يدخل مع أصحابه المسجد الحرام محلقين ومقصرين ، فأخبر الناس بذلك فاستبشروا وظنوا أن يكون في ذلك العام ، فلما صدهم المشركون من دخول مكة قال المنافقون منهم ابن أبي والله ما دخلنا وما حلقنا وما قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام (٤) ، فحقق الله تعالى ذلك بقوله لقد صدق الله (رَسُولَهُ الرُّؤْيا) التي رآها في المنام (بِالْحَقِّ) أي ملتبسة (٥) بالوقوع وهو يتعلق ب (صَدَقَ) أو ب (الرُّؤْيا) حالا منها ، يعني لم تكن أضغاث أحلام لتكذب ، وتفسيرها (لَتَدْخُلُنَّ) أي والله لتدخلن أيها المؤمنون (الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) في العام الثاني (إِنْ شاءَ اللهُ) أي باذنه ، والاستثناء في خبر الله لتعليم العباد لأن يقولوا في عداوتهم مثله اقتداء بسنة الله وتأدبا بأدبه ، ويجوز أن يريد لتدخلن جميعا إن شاء الله ولم يمت منكم أحد (٦)(آمِنِينَ) من العدو (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) أي جميع شعورها (٧)(وَمُقَصِّرِينَ) أي بعض شعورها (لا تَخافُونَ) أبدا من العدو (فَعَلِمَ) الله تعالى من الحكمة والصواب (ما لَمْ تَعْلَمُوا) أنتم منه (٨) وهو أن الخير (٩) في الصلح وتأخير الدخول وقوعه في السنة الثانية فلذلك وقع في أنفسكم ما وقع (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي قبل دخول مكة (فَتْحاً قَرِيباً) [٢٧] وهو فتح خيبر في ذلك العام ، فواعد لهم هذا الفتح لنفعهم ثم دخول مكة فتحققت الرأيا في العام القابل.
__________________
(١) المؤمنين ، ح : المؤمنون ، وي.
(٢) كتابة ، و : كتابه ، ح ي.
(٣) نقله المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٨.
(٤) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٢٥٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ١٨٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ٨.
(٥) ملتبسة ، وي : ملتبسا ، ح.
(٦) أحد ، ح : أحدا ، وي.
(٧) شعورها ، وي : شعرها ، ح.
(٨) منه ، وي : منهم ، ح.
(٩) الخير ، وي : الخبر ، ح.