(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨))
(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) أي قبل البعث (نَدْعُوهُ) أي نعبده بالتوحيد (إِنَّهُ) بالفتح ، أي لأنه ، وبالكسر استئناف (١) ، أي إن الله (هُوَ الْبَرُّ) أي المحسن الصادق في وعده (الرَّحِيمُ) [٢٨] أي العظيم الرحمة.
(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩))
(فَذَكِّرْ) أي دم يا محمد على تذكير المشركين بالقرآن وإن لم يصدقوك ولا تبال عن قولهم لك ساحر شاعر كاهن مجنون ، لأنه قول متناقض (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) الباء للسببية ، أي بأنعامه عليك بصدق النبوة ورجاحة (٢) العقل (بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [٢٩] الباء زائدة للتأكيد في النفي.
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠))
قوله (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) «أَمْ» فيه بمعنى بل وكذلك في الباقي إلا أن ما بعد بل متيقن وما بعد (أَمْ) مشكوك فيه مسؤول عنه ، تقديره : بل أيقولون هو شاعر (نَتَرَبَّصُ) أي ننتظر (بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [٣٠] أي ما يقلق النفوس من حوادث الدهر فيهلك كما يهلك غيره من الشعراء أو ال (رَيْبَ) بمعنى الرائب ، أي القالع و (الْمَنُونِ) الموت ، من المن وهو القطع ، لأن الموت قطوع ، يعني ننتظر موته كما مات أبوه شابا.
(قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢))
(قُلْ) يا محمد (تَرَبَّصُوا) أي انتظروا موتي (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) [٣١] هلاككم فعذبوا بالسيف يوم بدر (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) أي عقولهم وتدلهم (بِهذا) أي بهذا القول الباطل المتناقض (٣) وهو ساحر شاعر كاهن ، إذ الكل يفتقر إلى دقة نظر مع قولهم له مجنون وهو مغلوب العقل عن دقة النظر (أَمْ) أي بل (هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [٣٢] أي عاتون في عصيان الله.
(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤))
(أَمْ) أي بل (٤)(يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي اختلق القرآن محمد (٥)(بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) [٣٣] أي لم يمتنعوا عن الإيمان بالقرآن ، لأنه (٦) مختلق بل لا يؤمنون لفرط تكبرهم ، فان كان القرآن ما زعموا مختلقا (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ) مختلق (مِثْلِهِ) أي مثل القرآن (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) [٣٤] في قولهم إنه مختلق.
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥))
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي احدثوا على هذا الشكل من غير محدث أو من غير أب وأم ، فهم جماد لا يعقلون أو خلقوا لغير شيء من الأمر والنهي (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) [٣٥] أنفسهم والكل مستحيل فلا بد للخلق من خالق وهو الله ، فهلا يوحدون خالقهم ويؤمنون بأنه يبعثهم يوم القيامة.
(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦))
(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فلذلك لا يعبدون خالقهما (بَلْ لا يُوقِنُونَ) [٣٦] أي إنهم لا ينكرون عند السؤال عنهم من خالقهما يقولون هو الله بل لا يوقنون فيما يقولون ، لأنهم شاكون فيه (٧) ، فلذا يشركون به.
__________________
(١) «إنه» : فتح الهمزة المدنيان والكسائي ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.
(٢) رجاحة ، وي : زجاجة ، ح.
(٣) المتنافض ، وي : المناقض ، ح.
(٤) أي بل ، ح : ـ وي.
(٥) عليهالسلام ، + ح.
(٦) لأنه ، ح ي : لأن ، و.
(٧) فيه ، وي : ـ ح.