عَمِلُوا) من الشرك والمعاصي (وَيَجْزِيَ) أي ليثيب (١)(الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [٣١] أي بسبب الأعمال الحسنى أو بالجنة.
(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢))
قوله (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) رفع أو نصب على المدح أو وصف للذين أحسنوا أي ينتهون (كَبائِرَ الْإِثْمِ) أي الكبائر من الإثم وهي الذنوب التي لا يسقط عقابها إلا بالتوبة (وَالْفَواحِشَ) من الذنوب أيضا وهي ما فحش من الكبائر كالزنا والقتل بغير حق ، كأنه قال والفواحش منها خاصة ذكرها لتصريح زيادة قبحها ، وقيل : كبائر الإثم الشرك بالله والفواحش المعاصي (٢)(إِلَّا اللَّمَمَ) أي الصغائر من الذنوب كالغمرة والنظرة واللمسة والقبلة ، فانها تغفر بلا توبة من الصلوة إلى الصلوة ومن الجمعة إلى الجمعة ، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا أو صفة كقوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ)(٣) ، أي غير الله (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) للذين يجتنبون الكبائر بالتوبة لصغائرهم (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) أي بحالكم منكم (إِذْ أَنْشَأَكُمْ) أي خلقكم (مِنَ الْأَرْضِ) أي من ترابها أو خلق آدم عليهالسلام وأنتم من ذريته (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) جمع جنين ، أي كنتم صغارا (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) كان هو أعلم بحالكم فيها وهو أعلم بكم في الحال أيضا (فَلا تُزَكُّوا) من الذنوب (أَنْفُسَكُمْ) بنسبتها إلى الصلاح أو لا تمدحوها أو لا يمدح بعضكم بعضا في وجهه ولا يمدحه أيضا في غيبته وهو يعلم أنه يبلغ ممدوحه (هُوَ) أي الله (أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) [٣٢] أي بمن تزكى بالعمل الصالح أو تطهر من الذنوب أولا وآخرا ، قيل : نزلت الآية حين قال ناس من الصالحين صلاتنا وصيامنا وحجنا كذا وكذا (٤) ، فنهوا عن القول به قالوا هذا إذا كان على سبيل الإعجاب والرياء ، فأما من اعتقد وعلم أن كل عمله الصالح بتوفيق الله وتأييده لا من عنده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم ، لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر.
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣))
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) [٣٣] أي أعرض عن الحق وهو الإسلام ، يعني الوليد بن مغيرة ومثله ممن أعرض عنه بعد ميله إليه أو أمال غيره منه بسبب المال.
(وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤))
(وَأَعْطى قَلِيلاً) من ماله (وَأَكْدى) [٣٤] أي وبخل بعده ، فانه أنفق أصحاب النبي عليهالسلام نفقة قليلة ، ثم انتهى عن ذلك وأكدى ، من الكدية وهي أرض صلبة تمنع حافر البئر من النفوذ.
(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧))
(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) أي علم اللوح المحفوظ (فَهُوَ يَرى) [٣٥] أي يعلم ما له وما عليه (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) أي ألم يخبر (٥)(بِما) بين الله (فِي صُحُفِ مُوسى) [٣٦] أي في التورية أو هي عشر صحائف قبل التورية (وَ) في صحف (إِبْراهِيمَ) وهي عشر صحائف ، قوله (الَّذِي وَفَّى) [٣٧] أي تمم ما أمر به صفة (إِبْراهِيمَ).
(أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨))
قوله (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [٣٨] محله جر بدل من «ما» في قوله (بِما فِي صُحُفِ) أو رفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أن لا تزر ، يعني لا تحمل حاملة حمل نسمة أخرى ، روي : أن الوليد قال لعثمان رضي الله
__________________
(١) ليثيب ، ح ي : يثبت ، و.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩٢.
(٣) الأنبياء (٢١) ، ٢٢.
(٤) عن الكلبي ومقاتل ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٥٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥١.
(٥) أي ألم يخبر ، و : أي لم يخبر ، ي : أي يخبر ، ح.