ترك أمر الله تعالى مفتخرين بدنياهم (وَكانُوا يُصِرُّونَ) أي يقيمون (عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) [٤٦] أي على الكذب القوى بجعل الشريك لله تعالى وإنكار البعث ، وسمي الكذب حنثا لأنهم كانوا يحلفون بالله مع شركهم لا يبعث الله من يموت (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [٥٧] بعد ما صرنا ترابا وعظاما (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [٥٨] ب (أَوَ) العاطفة وبواو العطف مع همزة الاستفهام للإنكار (١) ، وحسن العطف بلا تأكيد اكتفاء بالهمزة الفاصلة ، أي أنبعث نحن ويبعث آباؤنا الأقدمون وصاروا ترابا.
(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠))
فقال تعالى (قُلْ) يا محمد (إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) [٤٩] من الأمم السالفة وهذه الأمة (لَمَجْمُوعُونَ) أي ليجمعون بعد البعث (إِلى مِيقاتِ) أي إلى (٢) وقت (يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [٥٠] يعني يوم القيامة.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥))
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ) عن الحق (الْمُكَذِّبُونَ) [٥١] بالبعث (لَآكِلُونَ) شيئا (مِنْ شَجَرٍ) هو (مِنْ زَقُّومٍ [٥٢] فَمالِؤُنَ) أي فهم مالئون (مِنْهَا) أي من شجرة الزقوم (الْبُطُونَ) [٥٣] أي بطونهم (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ) أي على الزقوم ، يعني على أثره لعطشهم (مِنَ الْحَمِيمِ) [٥٤] أي من الماء الحار (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) [٥٥] بضم الشين وفتحها مصدر (٣) ، أي كشرب الإبل الهيم ، أي العطاش جمع هيمان ، أي عطشان وحسن العطف هنا لاختلاف الوصفين.
(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦))
(هذا نُزُلُهُمْ) أي المذكور من الزقوم والحميم رزقهم المعد لهم (يَوْمَ الدِّينِ) [٥٦] أي يوم الجزاء.
(نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨))
(نَحْنُ خَلَقْناكُمْ) أي أوجدناكم عن عدم أيها الكفار (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) [٥٧] بالبعث ، فانكم إذا نظرتم النظر الصحيح علمتم أن القادر على ابتداء الخلق قادر على الإعادة (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) [٥٨] أي تريقون من المني ، أي النطفة في أرحام النساء.
(أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١))
(أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) أي المني بشرا في أرحامهن (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) [٥٩] أي بل نحن نخلقه لا أنتم لعجزكم عنه (نَحْنُ قَدَّرْنا) بالتخفيف والتشديد (٤) ، أي قضينا (بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) كما نشاء ، أي في حال الصغر والكبر لا اعتراض علينا (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) [٦٠] أي بعاجزين (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) أطوع منكم بعد إماتتكم مكانكم (وَنُنْشِئَكُمْ) أي ونخلقكم (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) [٦١] أي في صور غير صور الإنسان كقردة وخنازير كمن مسخ قبلكم ، إذ لم يؤمنوا برسلنا.
__________________
(١) «أو آباؤنا» : قرأ قالون وأبو جعفر وابن عامر باسكان الواو ، والباقون بفتحها ولا يخفى ما فيه من البدل لورش. البدور الزاهرة ، ٣١٢.
(٢) إلى ، ح : ـ وي.
(٣) «شرب» : قرأ المدنيان وعاصم وحمزة بضم الشين ، وغيرهم بفتحها. البدور الزاهرة ، ٣١٢.
(٤) «قدرنا» خفف الدال ابن كثير ، وشددها غيره. البدور الزاهرة ، ٣١٢.