(فِي) مكان (النَّهارِ) بمعنى يأتي بالليل إذا (١) ذهب النهار (وَيُولِجُ النَّهارَ) أي يدخله (فِي) مكان (اللَّيْلَ) يعني إذا جاء النهار ذهب الليل ، وقيل : المراد منه الزيادة والنقصان (٢) ، أي يدخل زيادة الليل في النهار وبالعكس وبذلك يظهر الصيف والشتاء (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [٦] أي بما في القلوب من الإيمان والكفر.
(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧))
ثم أمر الناس بالإيمان والإنفاق في سبيل الله بقوله (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا) أي تصدقوا في سبيل الله (مِمَّا جَعَلَكُمْ) الله (مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أي مالكين له من الأموال بفضله وأنتم وكلاؤه في الإنفاق في حقوقه أو جعلكم وارثين لها من متقدميكم وستنقل منكم إلى من بعدكم ، فاعترفوا بحالهم وأنفقوا ولا تبخلوا بالإنفاق لئلا يكون وبالا عليكم (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بالله ورسوله (وَأَنْفِقُوا) أموالهم في الطاعات (لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [٧] أي عظيم في الجنة ، وفي الآية حث على التصدق والإنفاق في سبيل الخيرات.
(وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨))
(وَما لَكُمْ) أي أي علة لكم بها (لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي لا تصدقون بوحدانية الله ، ومحله حال من معنى الفعل فيما لكم ، يعني ما لكم كافرين به تعالى (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) أي لتصدقوا به (وَقَدْ أَخَذَ) الله ، وقرئ مجهولا وبرفع (٣)(مِيثاقَكُمْ) أي عهدكم وإقراركم حين أخرجكم من صلب آدم في صورة الذر (٤) بالإيمان ، وركب فيكم العقل فلم يبق لكم عذر في ترك الإيمان ، فآمنوا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [٨] أي مصدقين بمقتضى العقل والدليل.
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩))
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) محمد عليهالسلام (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي واضحات من الأمر والنهي (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان أو من ظلمات الجهل إلى نور العلم (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [٩] حيث هداكم إلى دينه بنور القرآن ولم يبقكم في ظلمات الشرك.
(وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠))
(وَما لَكُمْ) أي أي غرض لكم في (أَلَّا تُنْفِقُوا) أموالكم (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بموتكم وترككم الأموال بعدكم له تعالى لا وارث سواه ، فيصل إليه أموالكم ويبقى وزرها عليكم ، فانفقوا حتى ينفعكم الإنفاق في الآخرة (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ) في الفضل والثواب عند الله (مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) أي فتح مكة (وَقاتَلَ) العدو قبله ، وهم الأنصار والمهاجرون ومن أنفق بعد الفتح (٥) وقاتل من غيرهم حذف للعلم به ، نزلت الآية حين وقعت بينهم منازعة في ذلك (٦) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (٧) ، أي ربعه (أُولئِكَ) أي من أنفق قبل الفتح وقاتل (أَعْظَمُ دَرَجَةً) عند الله (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ) أي بعد الفتح (وَقاتَلُوا وَكُلًّا) بالرفع مبتدأ ، خبره (وَعَدَ) أي وكلهم وعده (اللهُ الْحُسْنى) أي
__________________
(١) إذا ، ح : إذ ، وي.
(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٣) «وقد أخذ ميثاقكم» : قرأ أبو عمرو بضم الهمزة وكسر الخاء ورفع القاف ، وغيره بفتح الهمزة والخاء ونصب القاف. البدور الزاهرة ، ٣١٣.
(٤) الذر ، وي : الذرة ، ح.
(٥) الفتح ، وي : ـ ح.
(٦) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٣ / ٣٢٤.
(٧) رواه أحمد بن حنبل ، ٦ / ٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٢٤.