الصدقة فيما مضى وشق عليكم (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي تجاوز عنكم وعذركم ورخص لكم في أن لا تفعلوه (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) المفروضة (وَآتُوا الزَّكاةَ) الواجبة عليكم ، أي لا تفرطوا فيهما وفي سائر الطاعات فهو كفارة ذلك ، نسخت آية النجوى بعد عشر ليال (١) ، وقيل : بعد ساعة من نهار بالزكوة (٢)(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يأمركم به وينهاكم عنه (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [١٣] من النجوى والتصدق وغيرهما من الخير والشر.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥))
قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا) نزل حين تواد المنافقون اليهود واتخذوهم أولياء (٣) ، أي ألم تنظر إلى الذين توادوا (قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وهم اليهود (ما هُمْ) أي المنافقون (٤)(مِنْكُمْ) في الحقيقة (وَلا مِنْهُمْ) أي ولا من اليهود في العلانية ، يعني (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ)(٥)(وَيَحْلِفُونَ) أي المنافقون (عَلَى الْكَذِبِ) وهو قولهم والله إنا مسلمون على سبيل الادعاء (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [١٤] أنهم كاذبون في حلفهم والحال أفادت أن كذبهم عن تعمد فيكون حلفهم كيمين الغموس ، وروي أن النبي عليهالسلام قال لأصحابه : «يدخل عليكم الان رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان» ، فدخل ابن نبتل وكان أزرق ، فقال له النبي عليهالسلام : «علام تشمتني أنت وأصحابك» ، فحلف بالله ما فعل ، فقال عليهالسلام : «فعلت» ، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت (٦)(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة وهو أشد العذاب (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٥] من الولاية بأعداء الله تعالى.
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦))
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) أي أحلافهم الكاذبة (جُنَّةً) أي ترسا ليأمنوا بها عن القتل والسبي والنهب (فَصَدُّوا) أي صرفوا المسلمين بحلفهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن الجهاد بهم أو من لقوا عن الدخول في الإسلام (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [١٦] يهانون به لكفرهم وصدهم.
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧))
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) أي من عذابه (شَيْئاً) قليلا من الإغناء (أُولئِكَ) أي الكاذبون في حلفهم (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [١٧] لا يخرجون عنها.
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨))
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) أي المنافقين واليهود (فَيَحْلِفُونَ لَهُ) أي لله تعالى كذبا في الآخرة على أنهم مسلمون (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) في الدنيا أنهم مسلمون (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) من الهدى أو من نفع أيمانهم الكاذبة كما انتفعوا هنا بها دفعا عن القتل والنهب (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) [١٨] في إسلامهم وحلفهم ، لأنهم كافرون في السر.
(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩))
(اسْتَحْوَذَ) أي استولى وغلب (عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) وملكهم لطاعتهم له في كل ما يريده منهم (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ
__________________
(١) عن مقاتل بن حيان ، انظر البغوي ، ٥ / ٣٣٣.
(٢) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٥ / ٣٣٤.
(٣) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٣٣٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٣٤.
(٤) المنافقون ، وي : المنافقين ، ح.
(٥) النساء (٤) ، ١٤٣.
(٦) عن السدي ومقاتل ، انظر الواحدي ، ٣٤٠ ؛ والبغوي ، ٥ / ٣٣٤.