(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا) أي توسعوا بجلوسكم (فِي الْمَجالِسِ) وقرئ في «المجلس» (١) ، أي مجلس النبي عليهالسلام أو مجلس الذكر حتى يجلس من جاءكم ، قال عليهالسلام : «لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ، ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا» (٢) ، وجواب الشرط (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) في أرض الجنة أو في القبر ، قيل : نزلت الآية في ثابت بن قيس وكان في أذنيه وقر ، فحضر مجلس النبي عليهالسلام وقد أخذوا مجالسهم فبقي قائما ، قال عليهالسلام : «رحم الله من وسع لأخيه» (٣)(وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) بكسر الشين وضمها (٤) ، أي قوموا للصلوة أو الجهاد أو من مجلس النبي عليهالسلام أو لكل أمر من أمور الله ورسوله (فَانْشُزُوا) أي فقوموا (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بطاعتهم الله ورسوله (مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي يرفع الله العالمين منهم خاصة على غيرهم من المؤمنين (دَرَجاتٍ) أي رفع درجات في الدنيا والآخرة ، قيل : هذه الآية ترغب المؤمنين على العلم (٥) ، فان الله يرفع المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم درجات ، ما بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة ، الحضر العدو ، وتضمير الفرس تسمينه بالعلف والماء في موضع أربعين يوما ، ويسمى الموضع والمدة ضمارا ومنها الشفاعة كشفاعة الأنبياء في الخبر «يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» (٦) ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : «خير سليمان بين العلم والمال والملك ، فاختار العلم ، فأعطي المال والملك معه» (٧) ، ومنها أن الملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن السماء والأرض والحوت لتدعو له ، ومنها قوله عليهالسلام : «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» (٨)(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [١١] من التفسيح في المجلس وطاعة الله ورسوله وطلب العلم الشريف وغير ذلك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) أي إذا كلمتموه سرا (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ) أي قدامه إذا أردتم مناجاته (صَدَقَةً) على مستحقها (ذلِكَ) أي التقديم (خَيْرٌ لَكُمْ) لطاعتكم من إمساكه (وَأَطْهَرُ) لذنوبكم وقلوبكم (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) ما تتصدقون به (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمناجاتكم النبي عليهالسلام بلا تقديم الصدقة (رَحِيمٌ) [١٢] بكم حيث أباح لكم السؤال من النبي عليهالسلام ، والآية نزلت حين أكثر الناس عليه السؤال حتى أسأموه وملوه ، فأمرهم الله تعالى بتقديم الصدقة عند المناجاة فانتهوا عن ذلك فغدرت الفقراء على سماع كلام النبي عليهالسلام ومجالسته (٩) ، قيل : لم يناجه بعد نزولها إلا على رضي الله عنه قدم دينارا تصدق به وكلم النبي عليهالسلام في عشر كلمات ثم أنزلت الرخصة بقوله (١٠)(أَأَشْفَقْتُمْ) أي خفقتم الفقراء يا أهل الغنا (أَنْ) أي بأن (تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) وبخلتم فلو فعلتم لكان خيرا لكم (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما أمرتم به من
__________________
(١) «المجالس» : قرأ عاصم بفتح الجيم وألف بعدها على الجمع وغيره باسكان الجيم على الإفراد. البدور الزاهرة ، ٣١٦.
(٢) روى مسلم نحوه ، السّلام ، ٢٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٣٧ ؛ والبغوي ، ٥ / ٣٣١.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٣٣٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٣٩ ـ ٣٤٠.
(٤) «انشزوا» : قرأ المدنيان والشامي وحفص بخلف عنه بضم الشين ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٣١٦.
(٥) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٩٢.
(٦) أخرجه ابن ماجة ، الزهد ، ٣٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٩٢.
(٧) انظر الكشاف ، ٦ / ٩٢.
(٨) رواه الترمذي ، العلم ، ١٩ ؛ وابن ماجة ، المقدمة ، ١٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٩٢.
(٩) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٣٣٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٣٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٩٢ ـ ٩٣.
(١٠) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٣٣٧.