(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧))
(أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي سرهما (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) من «كان» التامة ، أي ما يقع تناجي ثلاثة أنفس وهو التكلم بالسر فيما بينهم بالسوء (إِلَّا هُوَ) أي الله (رابِعُهُمْ) أي عالم بما يقولون (وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى) أي ولا أقل (مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) أي عالم بهم وبأحوالهم (أَيْنَ ما كانُوا) من الأرض (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) من خير وشر ، قيل : نزل ذلك حين تناجى نفر من الكفار عند الكعبة وكانوا متحلقين على هذين العددين ثلاثة وخمسة ، فقال بعضهم لبعض لا ترفعوا أصواتكم حتى لا يسمع رب محمد كلامكم (١)(إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [٧] من السر والعلانية.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨))
ولما تناجى المنافقون واليهود فيما بينهم دون المؤمنين ، فإذا رأى المؤمن أنهم تناجوا يظن أنهم يريدون قتله فيترك الطريق خوفا منهم ، فنهاهم النبي عليهالسلام عن التناجي فلم ينتهوا نزل (٢)(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) أي عن قول السر فيما بينهم (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) أي إلى قول السر (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ) أي بالكذب (وَالْعُدْوانِ) أي بالجور والظلم (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) أي بخلاف أمر الرسول ، لأنه نهاهم فلم ينتهوا (وَإِذا جاؤُكَ) أي اليهود (حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) بأن قالوا السام عليك مكان السّلام (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي فيما بينهم (لَوْ لا) أي هلا (يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) في محمد إن كان نبيه من السب قال تعالى (حَسْبُهُمْ) أي كافيهم (جَهَنَّمُ) يعني مصيرهم إلى جهنم (يَصْلَوْنَها) أي يدخلونها (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [٨] هي.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩))
ثم قال خطابا للمنافقين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) باللسان دون القلب (إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا) فيما بينكم (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا) أي تكلموا في السر (بِالْبِرِّ) وهو الطاعة (وَالتَّقْوى) وهي ترك المعصية ، وقيل : خطاب للمخلصين (٣) ، أي لا تكونوا كالمنافقين (وَاتَّقُوا) أي اخشوا من التناجي كتناجي اليهود والمنافقين (اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [٩] بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم من التناجي وغيره.
(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠))
(إِنَّمَا النَّجْوى) أي إن التناجى بالشر (مِنَ الشَّيْطانِ) أي من تزيينه (لِيَحْزُنَ) معلوما من حزن أو من أحزن ، والضمير للتناجي ، أي ليغيظ (الَّذِينَ آمَنُوا) بذلك (وَلَيْسَ) التناجي (بِضارِّهِمْ) أي لا يضر المؤمنين (شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بقضائه ، يعني بأن يقضي الموت على أقاربهم أو الغلبة على الغزاة ، وكانوا يوهمون المؤمنين في نجويهم أن غزاتهم غلبوا وإن أقاربهم قتلوا أو لا يضر الحزن الذي زينهم الشيطان بسببه وهو التناجي بالشر لا بمشيته ولا يشاؤه ، ثم أمر المؤمنين بأن يتوكلوا عليه بقوله (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [١٠] أي المخلصون في دينهم.
__________________
(١) قد أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٣٣٥.
(٢) عن ابن عباس ومجاهد ، انظر الواحدي ، ٣٣٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٣٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ٣٢٨.
(٣) أخذ المصنف هذا القول عن السمرقندي ، ٣ / ٣٣٦.