الغنائم مقسوما على الأقسام الخمسة ، قوله (كَيْ لا يَكُونَ) متعلق بالقسمة ، أي قسم الله بينهم كيلا يكون الفيء (دُولَةً) بالنصب خبر (يَكُونَ) ، وبالرفع فاعل (يَكُونَ) التامة مع تأنيثها ودالها بالضم (١) ، أي شيئا متداولا ، وروي بالفتح بمعناه أو الضم للأغنياء والفتح للفقراء (٢) ، قوله (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ظرف ل (دُولَةً) ، أي لئلا يختص بها الأغنياء ويتداولونها بينهم ولا يصيب للفقراء منها شيء كما كان الرؤساء منهم يستأثرون الغنيمة ، وهي الدولة الجاهلية (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) أي ما أعطاكموه أيها المؤمنون من الفيء وغيره (فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) أي امتنعوا عنه (وَاتَّقُوا اللهَ) من مخالفته (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [٧] لمن عصاه.
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨))
قوله (لِلْفُقَراءِ) بدل من (لِذِي الْقُرْبى) لا من «لله وللرسول» ، لأنه يلزم الفساد لفظا ومعنى ، أما لفظا فلأنه الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف تعظيم الله والرسول ، وأما معنى فلأنه يلزم دخول الرسول في زمرة الفقراء ، وكان عليهالسلام يتعوذ من الفقر (٣) ولأن الله تعالى أخرج رسوله من الفقراء في قوله وينصرفون الله ورسوله فلا يكون للرسول عليهالسلام من الفيء شيء وليس كذلك ، أي الفيء للفقراء (الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا) أي أخرجهم أهل مكة (مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) قوله (يَبْتَغُونَ) حال ، أي يطلبون (فَضْلاً مِنَ اللهِ) أي رزقا من الجنة (وَرِضْواناً) أي رضا الله تعالى في دينه (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي دينهما بالسيف (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [٨] في إيمانهم وجهادهم فطابت نفوس الأنصار بذلك ، فقالوا هذا كله لهم وديارنا وأموالنا أيضا لهم فأحبوهم لله ولرسوله.
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩))
فأثنى الله تعالى الأنصار بقوله (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) أي وطنوا دار المدينة وهي دار الهجرة ونزلوا بها في المدينة (وَ) تبوأ (الْإِيمانَ) أي أخلصوا الإيمان فيها (مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قبل هجرة النبي عليهالسلام إليهم وأصحابه ، فبنوا المساجد قبلهم بسنتين في المدينة (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) من المؤمنين (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً) أي حسدا وبخلا (مِمَّا أُوتُوا) أي أعطي المهاجرون لقسم النبي عليهالسلام أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا (وَيُؤْثِرُونَ) أي الأنصار (عَلى أَنْفُسِهِمْ) في القسمة من الفيء المهاجرين ، يعني يتركون الفيء لهم (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) أي حاجة إلى ما يؤثرون به ، والجملة حال من الفاعل في (يُؤْثِرُونَ) ، أي مفروضا خصاصتهم ، ثم أشار تعالى إلى الثناء على الأنصار وعلى مثلهم بقوله (وَمَنْ يُوقَ) أي يمنع (شُحَّ نَفْسِهِ) أي بخلها وقهرها (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [٩] في الآخرة من النار بدخول الجنة ، روي عنه عليهالسلام : «لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا» (٤).
__________________
(١) «كي لا يكون دولة» : قرأ أبو جعفر وهشام بخلف عنه «يكون» بتاء التأنيث و «دولة» برفع التاء ، والوجه الثاني لهشام التذكير في «يكون» مع رفع «دولة» أيضا فيكون له في «يكون» التأنيث والتذكير ، وفي «دولة» الرفع فقط ، والباقون بياء التذكير في «يكون» ونصب التاء في «دولة» ، ولا يجوز في قراءة ما تأنيث «يكون» مع نصب «دولة». البدور الزاهرة ، ٣١٧.
(٢) وهذا القول مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٩٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٤٤.
(٣) روى النسائي في سننه (الاستعاذة ، ١٤): «اللهم إني أعوذ بك من القلة والفقر والذلة ..».
(٤) أخرجه النسائي ، الجهاد ، ٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٤٧.