(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠))
قوله (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) والآية ثناء الله تعالى على المهاجرين الذين هاجروا بعد الأولين ، أي انهم (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) أي أظهروا الإيمان قبلنا ، يعني المهاجرين والأنصار (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) أي حقدا (لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [١٠] بمغفرة ذنوب عبادك المؤمنين وإدخالهم الجنة ، وفي الآية دليل على أن الترحم والاستغفار واجب على المؤمنين الآخرين للسابقين منهم لا سيما لآبائهم ولمعلمهم أمور الدين.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) من أهل المدينة (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ) في الكفر سرا ، وهم (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني بني النضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من المدينة (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ) أي في قتالكم أو في خذلانكم بترك ما وعدناكم من النصرة (أَحَداً) أي محمدا (أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ) أي (١) قاتلكم محمد (٢) وأصحابه (لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [١١] في قولهم لهم.
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢))
فقال تعالى والله (٣)(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) أي المنافقون مع بني النضير (وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) أي لئن جاؤا لنصرهم فرضا (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) أي لرجعوا منهزمين (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [١٢] أي لا ينصر اليهود لانهزام ناصرهم.
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣))
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) أي لخوف المنافقين منكم (٤) يا أيها المؤمنون (فِي صُدُورِهِمْ) أي سرا أشد من خوفهم (مِنَ اللهِ) جهرا ، ويجوز أن يراد خوف اليهود في صدورهم منكم أشد من خوفهم من الله تعالى (٥)(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [١٣] أمر الله وخوفه.
(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤))
قوله (لا يُقاتِلُونَكُمْ) بيان لحال اليهود في الحرب ، أي هم لا يقاتلونكم (جَمِيعاً) أي مجتمعين لقتالكم في الصحراء (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) أي حصينة (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أي خلف حائط ، وقرئ «جدر» (٦)(بَأْسُهُمْ) أي قتالهم (بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)(٧) إذا اقتتلوا ولا طاقة لهم بكم (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) أي تظن يا محمد أن اليهود والمنافقين متفقون على أمر واحد وكلمة واحدة (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) أي متفرقة مختلفة لا موادة بينهم ، الواو فيه للحال وهو تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم (ذلِكَ) أي الاختلاف (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [١٤] ما عليهم من الاختلاف.
__________________
(١) ما ، + ح.
(٢) عليهالسلام ، + ح.
(٣) والله ، وي : ـ ح.
(٤) منكم ، وي : ـ ح.
(٥) تعالى ، ي : ـ ح و.
(٦) «جدر» : قرأ المكي والبصري بكسر الجيم وفتح الدال وألف بعدها على الإفراد ، والباقون بضم الجيم والدال على الجمع. البدور الزاهرة ، ٣١٧.
(٧) أي ، + ح.