(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥))
(كَمَثَلِ الَّذِينَ) خبر مبتدأ محذوف ، أي مثل بني النضير في كفرهم كمثل الذين كفروا (مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني أهل بدر (قَرِيباً) أي زمانا قريبا ، والعامل فيه الوجود المقدر ، أي كوجود مثل أهل بدر في زمان قريب مقدار سنتين (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي عقوبة كفرهم وعداوتهم النبي عليهالسلام (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [١٥] في الآخرة سوى ذلك.
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦))
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) أي مثل المنافقين مع اليهود في إغرائهم على القتل ووعدهم النصر الكاذب كمثل إبليس وإغوائه بكيده وتبريه منه في العاقبة (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) أي للمشركين من أهل مكة قاتلوا محمدا وأصحابه وأنا جار لكم ، أي ناصركم ، فلما قاتلوا ورأى إبليس جبرائيل مع محمد عليهالسلام خافه وتبرأ منهم (١) وانهزم ، وقيل : جاء إبليس برصيصا الراهب ووسوس له حتى زنى بامرأة مجنونة أتته ليعالج (٢) جنونها ، فتبين حبلها فقتلها ودفنها لئلا يفتضح ، فأخذوا برصيصا ليصلبوه فجاءه إبليس وقال له اكفر ، أي اسجد لي لأنصرك فسجد (٣)(فَلَمَّا كَفَرَ) أي سجد له (٤)(قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) [١٦] استهزاء.
(فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧))
(فَكانَ عاقِبَتَهُما) أي عاقبة الراهب والشيطان (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ) أي الخلود في النار (جَزاءُ الظَّالِمِينَ) [١٧] من الكافرين والمنافقين.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في ترك المعاصي (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) أي نفس واحدة (ما قَدَّمَتْ) من العمل (لِغَدٍ) أي ليوم القيامة الهائل ، فالتنكير فيه للتعظيم ، سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له ، يعني اعملوا بالطاعة تجدوا ثوابها يوم القيامة في الجنة (وَاتَّقُوا اللهَ) أي أطيعوه مع التقوى ولا تعصوه بترك أمره ونهيه (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [١٨] من الطاعة والمعصية.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩))
(وَلا تَكُونُوا) في المعصية (كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) أي تركوا أمره (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) أي خذلهم بأن تركوا الاهتمام لأنفسهم (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [١٩] أي هم صاروا من أصحاب النار كالمنافقين.
(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))
قوله (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) تنبيه للناس بأنهم لفرط غفلتهم ومحبة العاجلة واتباع (٥) الشهوات ، كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار وبين أصحابهما وإن الفوز مع أصحاب الجنة ، لا يستوي أصحابهما في الكرامة والهوان في الدنيا والآخرة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [٢٠] أي الناجون والمكرمون وأصحاب النار هم المعذبون فيها والمهانون واستدل الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل الكافر وأن الكافر لا يملكون أموال المسلمين بالقهر.
__________________
(١) منهم ، وي : منه ، ح.
(٢) ليعالج ، ح : لتعالج ، وي.
(٣) نقله المؤلف عن السمرقندي مختصرا ، ٣ / ٣٤٧.
(٤) له ، وي : ـ ح.
(٥) اتباع ، وي : اتبعوا ، ح.