(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١))
(ما أَصابَ) لبني آدم (مِنْ مُصِيبَةٍ) أي شدة ومرض ونقص من الأموال والأنفس (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بقضائه وعلمه (١)(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أي يصدق أنه لا يصيبه شيء من ذلك إلا بمشيته ويعلم أنه من الله تعالى لا من غيره (يَهْدِ قَلْبَهُ) أي يشرح صدره لعمل الخير ويصلحه بتوفيقه ليسترجع عند نزول المصيبة ، وعن مجاهد : «إن ابتلي صبر وإن أعطي شكر وإن ظلم غفر» (٢)(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [١١] أي بصبره عليها وثواب من صبر على ما فعله له.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣))
(وَأَطِيعُوا اللهَ) في الرضا بقضائه (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما يأمركم به من الصبر وترك الجزع (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي أعرضتم عن طاعتهما (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [١٢] أي التبليغ الظاهر للناس لا غيره ، ثم وحد نفسه في الألوهية وإيصال النفع والضر للخلق فقال (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا ضار ولا نافع إلا الله (٣)(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [١٣] أي ليفوضوا أمرهم إليه تعالى وهو حث لرسوله وأصحابه على التقوى به في أمرهم حتى ينصرهم على المعرضين عن الإيمان به تعالى.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤))
ونزل فيمن منعت أزواجه وأولاده عن هجرته من مكة إلى المدينة قوله (٤)(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) يمنعكم من الهجرة المحققة لإيمانكم (فَاحْذَرُوهُمْ) ولا تطيعوهم في ترك الهجرة ، و (مِنْ) للتبعيض لأن بعضهم ليس بعدو لهم ، والضمير في (فَاحْذَرُوهُمْ) لل (عَدُوًّا) أو لل «أزواج» وا ل «أولاد» جميعا ، أي لا تأمنوا شرهم وغوائلهم ، بل كونوا منهم على حذر (وَإِنْ تَعْفُوا) عنهم وتتركوا الضرب والشتم (وَتَصْفَحُوا) أي تجاوزوا عن عقابهم (وَتَغْفِرُوا) ذنوبهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [١٤] لذنوب المؤمنين ويعطي ثوابهم في الجنة ، روي : أن قوما أسلموا في مكة وأرادوا أن يخرجوا إلى المدينة فمنعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا أتنطلقون وتضيعوننا فرقوا لهم ووقفوا ، فلما قدموا على النبي عليهالسلام رأوا الناس قد فقهوا في الدين فأرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فنزلت الآية لتزيين العفو لهم (٥).
(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥))
ثم قال لدفع الميل إليهم والصبر عنهم لمحافظة الدين الحق (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ) الذين بمكة (فِتْنَةٌ) أي بلية لا يقدر الرجل على الهجرة بسببهم أو جميع الأموال والأولاد فتنة في الدين ، لأن الاشتغال بهم يقطع القلب عن ذكر الله وطاعته (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [١٥] لمن أطاع الله ولم يعصه لأجل الأموال والأولاد بعد الإحسان إليهم ، روي عن النبي عليهالسلام : «يؤتى برجل يوم القيامة فيقال أكل عياله حسناته» (٦) ، وقيل :
العيال سوس الطاعات (٧) ، وهو دود يقع في الطعام والثوب وغيرهما.
__________________
(١) وعلمه ، ح و : وعمله ، ي.
(٢) انظر الكشاف ، ٦ / ١٢١.
(٣) الله ، وي : هو ، ح.
(٤) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٣٥٤ ؛ والبغوي ، ٥ / ٣٩٦.
(٥) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٧١ ؛ والواحدي ، ٣٥٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٢١ ـ ١٢٢.
(٦) انظر الكشاف ، ٦ / ١٢٢. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٧) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٦ / ١٢٢.