(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧))
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ) أي اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أي البستان الذي كان في اليمن لضروان ، وهي علم لرجل كريم إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فلم يمنعهم من دخولها والأكل والتزود منها ، فلما مات خلفه بنوه فيها فمنعوهم من ذلك (إِذْ أَقْسَمُوا) أي حلفوا فيما بينهم (لَيَصْرِمُنَّها) أي ليقطعن ثمرتها وزرعها سرا خوفا من المساكين ، قوله (مُصْبِحِينَ) [١٧] أي داخلين في آخر جزء من الليل ، حال من فاعل «يصرم».
(وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨))
(وَلا يَسْتَثْنُونَ) [١٨] أي لم يقولوا إن شاء الله وهو شرط لكنه سمي استثناء ، لأنه يؤدي معنى الاستثناء ، فانك إذا قلت لأخرجن إن شاء الله أردت لا أخرج إلا أن يشاء الله.
(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠))
(فَطافَ عَلَيْها) أي على الجنة (طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) أي نار محرقة ليلا (وَهُمْ نائِمُونَ [١٩] فَأَصْبَحَتْ) أي فصارت تلك الجنة سواء (كَالصَّرِيمِ) [٢٠] أي الليل المظلم الشديد ، من الصرم وهو القطع ، لأن الليل ينقطع عند النهار ، ويقال للنهار صريم أيضا ، لأنه ينقطع عند الليل.
(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢))
(فَتَنادَوْا) أي نادى بعضهم بعضا (مُصْبِحِينَ) [٢١] أي حين دخلوا في الصبح (أَنِ اغْدُوا) أي قالوا اخرجوا بالغداة بالإقبال (عَلى حَرْثِكُمْ) أي زرعكم ، فلتضمن الغدو معنى الإقبال يعدى ب (عَلى) ، والأصل فيه إلى (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) [٢٢] أي حاصدين قبل أن يحضرها المساكين.
(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥))
(فَانْطَلَقُوا) أي ذهبوا إلى غلتهم (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) [٢٣] أي يتسارون فيما بينهم بكلام خفي (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) [٢٤] و (أَنْ) مفسرة لأن في التخافت معنى القول ، وهذا مبالغة في النهي عن تمكين المساكين من الدخول (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) أي على غضب ومنع للفقراء من جنتهم (قادِرِينَ) [٢٥] بزعمهم على الحصاد وجمع الثمار.
(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧))
(فَلَمَّا رَأَوْها) أي الجنة محترقة (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) [٢٦] عن طريق جنتنا وليست هذه جنتنا ، فلما عرفوها قالوا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [٢٧] من منفعتها بسبب منعنا المساكين.
(قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨))
(قالَ أَوْسَطُهُمْ) أي أعقلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا) أي هلا (تُسَبِّحُونَ) [٢٨] الله على فعلكم السوء ، يعني هلا تتوبون أو هلا تصلون ، لأنهم قليلو (١) الصلوة ، وقيل : المراد بالتسبيح الاستثناء (٢) ، يعني إن شاء الله لالتقائهما في معنى التعظيم لله ، لأن الاستثناء تفويض إليه والتسبيح تنزيه له وكل واحد منهما تعظيم.
(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢))
(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) [٢٩] أنفسنا بمنعنا المساكين (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) [٣٠] أي يلوم بعضهم بعضا بعملهم السوء ، ثم (قالُوا) جميعا (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) [٣١] أي مجاوزين حد الاستقامة في (١) اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٣ / ٣٩٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٣٢.
__________________
(١) قليلو ، وي : قليل ، ح.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ١٤٣.