سبيل الله بكبرنا (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) أي (١) من هذه الجنة (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) [٣٢] أي طالبون الخير منه راجعون إليه ليتوب علينا ويرد جنتنا إلينا بفضله ، قيل : هم تابوا فأبدلوا جنة خيرا من الأولى (٢).
(كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣))
(كَذلِكَ) أي مثل ذلك العذاب (الْعَذابُ) في الدنيا لمن خالف أمرنا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) لمن لم يتب من فعله السوء (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [٣٣] أي يفقهون من الحق ، سئل قتادة عن أصحاب الجنة : أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ قال : «لقد كلفتني تعبا» (٣) ، أي علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥))
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي في الآخرة (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [٣٤] فقال عتبة بن ربيعة : «إن كان كما يقول محمد ، فان لنا في الآخرة أكثر مما للمسلمين لفضلنا وشرفنا» ، فنزل (٤)(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) [٣٥] في ثواب الآخرة.
(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧))
ثم قيل لهم على سبيل الالتفات (ما لَكُمْ) أي أي حال من الجهالة (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [٣٦] هذا الحكم الفاسد كأن أمر الجزاء مفوض إليكم فتحكمون بما شئتم (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) منزل (فِيهِ تَدْرُسُونَ) [٣٧] أي تقرؤون ما تدعون.
(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩))
(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ) أي في الكتاب (لَما) أي لشيئا (تَخَيَّرُونَ) [٣٨] أي تختارون (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) أي عهود وثيقة (عَلَيْنا بالِغَةٌ) أي ثابتة غير زائلة (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي لا نخرج من عهدتنا إلا يومئذ بالوفاء بها.
قوله (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) [٣٩] أي الذي تقضون لأنفسكم في الآخرة جواب للقسم الذي تضمنه «أم لكم إيمان علينا» ، لأن اليمين بمعنى القسم ، المعنى : أأقسمنا لكم إيمانا بما تحكمون فيجب الوفاء بها علينا كما يجب بالنذر (٥) والقسم على العاهد به.
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠))
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) [٤٠] أي قل لهم يا محمد أيكم بذلك الحكم كفيل يقوم بالاحتجاج لصحته.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣))
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) لله بزعمهم وهي الأصنام يكفلون لهم بذلك أم لهم ناس يشاركونهم (٦) في هذا القول ويذهبون مذهبهم فيه (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا) في زعمهم (صادِقِينَ [٤١] يَوْمَ) أي اذكر يوم (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) أي عن شدة الأمر يوم القيامة لأجل الحساب والجزاء ، والتنكير يدل على أنه أمر مبهم غير مألوف (وَيُدْعَوْنَ) أي الكفار ، ثم عقوبة وتوبيخا على ترك السجود في الدنيا لا تكليفا وامتحانا لإيمانهم بزعمهم (إِلَى السُّجُودِ) لربهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [٤٢] السجود لأن ظهورهم تصير يومئذ كالحديد لا يميل (خاشِعَةً) أي ذليلة (أَبْصارُهُمْ) أي أربابها (تَرْهَقُهُمْ) أي تغشاهم (ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) أي إلى الصلوة في الدنيا (وَهُمْ سالِمُونَ) [٤٣] أي أصحاء فلا يأتون ، فلذلك منعوا عن السجود يومئذ ، قيل : «نزلت الآية فيمن ترك الصلوة بلا عذر (٧) أو تخلف عن الجماعات» (٨).
__________________
(١) أي ، وي : ـ ح.
(٢) نقل المصنف هذا القول عن الكشاف ، ٦ / ١٤٤.
(٣) انظر الكشاف ، ٦ / ١٤٤.
(٤) انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٩٥.
(٥) بالنذر ، وي : بالنذور ، ح.
(٦) يشاركونهم ، ح و : شاركونهم ، ي.
(٧) عن سعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٨.
(٨) عن كعب الأحبار ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٨.