(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤))
قوله (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ) أي تتحرك ، ظرف لما في (لَدَيْنا) من معنى الفعل ، أي استقر للكفار هذه الأنواع من العذاب يوم تتزلزل الأرض (وَالْجِبالُ) لهول ذلك اليوم (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً) أي رملا مجتمعا (مَهِيلاً) [١٤] أي سائلا بعد اجتماعه.
(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥))
(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ) يا أهل مكة (رَسُولاً) أي محمدا عليهالسلام (شاهِداً عَلَيْكُمْ) بكفركم يوم القيامة (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) [١٥] أي موسى بن عمران.
(فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦))
(فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) بلام التعريف ليعود (١) المعرف إلى المنكر وهو موسى (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) [١٦] أي شديدا غليظا ، يعني عاقبناه بالغرق فهذا تهديد لهم.
(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧))
(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ) أي تتحصنون من العذاب يوم القيامة (إِنْ كَفَرْتُمْ) هنا ، ف (يَوْماً) ظرف ل (تَتَّقُونَ) في قوله (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) [١٧] من هيبته وشدته ، ويجوز أن ينتصب ب (كَفَرْتُمْ) على تأويل جحدتم ، أي كيف تخشون الله إن جحدتم يوم القيامة والجزاء مع شدته ، يعني لو كان هنالك صبيان لشابت رؤوسهم من شدة ذلك اليوم.
(السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨))
(السَّماءُ مُنْفَطِرٌ) بالتذكير (٢) وصف ل (يَوْماً) وصفه بالشدة ، أي السماء ذات انفطار ، أي انشقاق (بِهِ) أي بذلك (٣) اليوم لشدته وثقالة ما عليها من الملائكة يومئذ كانفطار الخشبة بالقدوم ، فالباء للسببية أو السماء منفطر به بتأويل السقف (كانَ وَعْدُهُ) أي وعد الله تعالى لمجيء ذلك اليوم (مَفْعُولاً) [١٨] أي محصولا بالبعث لا محالة.
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩))
(إِنَّ هذِهِ) أي الآيات المخوفة للناس (تَذْكِرَةٌ) أي عظة لهم (فَمَنْ شاءَ) اتخاذ سبيل إلى النجاة من العذاب (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [١٩] أي مرجعا بالإيمان به وطاعته ، لأنه قد ظهر له الدلائل للرغبة فيه.
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠))
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) أي أقل (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) قوله (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) بالنصب فيهما عطف على «أدنى» ، أي تقوم أقل من الثلثين وتقوم نصفه وتقوم (٤) ثلثه ، وهو موافق للتخيير الثاني في أول السورة بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه وهو الثلث وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين ، وبالجر فيهما (٥)
__________________
(١) ليعود ، وي : لتعود ، ح.
(٢) الجملة ، + و.
(٣) أي بذلك ، ح ي : أي بشدة ذلك ، و.
(٤) نصفه وتقوم ، وي : ـ ح.
(٥) «ونصفه ، ثلثه» : قرأ المدنيان والبصريان والشامي بخفض الفاء في «ونصفه» ، والثاء الثانية في «وثلثه» ، ويلزم منه كسر الهاء فيهما ، والباقون بنصب الفاء والثاء ، ويلزمه ضم الهاء فيهما. البدور الزاهرة ، ٣٣٠.