يقوله سحر مؤثر ، فأخبر تعالى عن حاله بقوله (إِنَّهُ فَكَّرَ) الآية.
(ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣))
(ثُمَّ نَظَرَ) [٢١] فيما يبطل به القرآن أو نظر في وجوه قومه ، (ثُمَّ عَبَسَ) أي قبض وجهه ضيقا بما يقول من الحيل في حق القرآن ، وقيل : عبس وجهه بكراهة شديدة في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١)(وَبَسَرَ) [٢٢] أي زاد في التقبض (ثُمَّ أَدْبَرَ) أي أعرض عن الإيمان (وَاسْتَكْبَرَ) [٢٣] عن اتباع محمد عليهالسلام ، و (ثُمَّ) الداخلة في تكرير الدعاء للدلالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى (٢).
(فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦))
(فَقالَ إِنْ هذا) أي ما هذا الذي يقوله محمد (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [٢٤] أي يروى عن السحرة ، يعني يرويه محمد عن صاحب اليمامة وهو مسيلمة الكذاب ، وإنما أدخل الفاء في (فَقالَ) دون «ثم» لأن الكلمة الشنعاء لما خطرت (٣) بباله استعجل أن ينطلق بها من غير تلبث ، ثم قال من غير توسط (٤) حرف العطف بين الجملة دلالة على أن الثانية بمنزلة التأكيد للأولى (إِنْ هذا) أي ما هذا (إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [٢٥] لا وحي من الله ، فقال تعالى (سَأُصْلِيهِ) أي سأدخله (سَقَرَ) [٢٦] اسم من أسماء النار.
(وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩))
قوله (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) [٢٧] تعظيم لشأن تلك النار ، ثم بين بقوله (لا تُبْقِي) لحما إلا أكلته ، ثم يعود كما كان (وَلا تَذَرُ) [٢٨] أي لا تتركهم تلك النار إذا أعيدوا فيها خلقا جديدا (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) [٢٩] أي هي محرقة لبشرة الجلد وهي ظاهره.
(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠))
(عَلَيْها) أي على النار (تِسْعَةَ عَشَرَ) [٣٠] من الملائكة مسلطون من رؤساء الخزنة ، وأما الزبانية فلا يحصى عددهم ، قيل : أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي ، أي القلاع يخرج لهب النار من أفواههم نزعت منهم الرحمة يدفع أحدهم سبعين ألفا يرميهم حيث أراد من جهنم (٥).
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١))
وقال رجل من المشركين وكانت له قوة شديدة وهو أبو الأشد بن أسيد بن كلدة أنا أكفيكم تسعة عشر فنزل تجهيلا له (٦)(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) غلاظا شدادا لا يغلبهم أحد من غير جنسهم وليسوا كما يتوهم الكفار (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) يعني تسعة عشر لأنفس العدة (إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي بلاء وضلالا للكافرين بأن يقولوا لم كانوا تسعة عشر (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) اللام فيه للتعليل وهو لا يقتضي كون ما دخل غرضا ، أي ليطمئن قلوب اليهود صدق محمد عليهالسلام ، لأن عددهم في التورية تسعة عشر (وَيَزْدادَ) أي وليزداد (الَّذِينَ آمَنُوا) بالقرآن من أهل الكتاب (إِيماناً) أي تصديقا لموافقته كتابهم ، وأكد الاستيقان بقوله (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) لأن إثبات اليقين ونفي الريب آكد وأبلغ في وصفهم لسكون النفس ، أي لا
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٥ / ٤٨١.
(٢) الأولى ، وي : الأول ، ح.
(٣) خطرت ، و : أخطرت ، ي ، خطر ، ح ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٧٩.
(٤) توسط ، وي : توسيطه ، ح.
(٥) نقله المفسر عن البغوي ، ٥ / ٤٨٢.
(٦) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٤٢٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٨٠.