يشكوا في ذلك (وَالْمُؤْمِنُونَ) من غيرهم في عدد الملائكة (وَلِيَقُولَ) في الزمان المستقبل بعد الهجرة (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك في المدينة وهم المنافقون (وَالْكافِرُونَ) أي المشركون بمكة (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا) أي أي شيء الذي أراده بالعدد المخصوص (مَثَلاً) تمييز ل «هذا» وسماه مثلا ، لأن مثل هذا القول في الغرابة مما تسير به الركبان سيرها بالأمثال في البلاد ، ولا يشكل التعليل باللام في (لِيَقُولَ) لأنها أفادت معنى العلة وهي لا يقتضي كونها غرضا (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الإضلال لمنكري العدد المخصوص (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي يوفقه للإيمان به ، قوله (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) أي الله تعالى يعلم جنوده لفرط كثرتها وقوتها لا غير ، رد لقول أبي جهل حيث قال : ما كان لمحمد أعوان إلا تسعة عشر (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى) أي ما الآيات المذكورة أو ما ذكر (سَقَرُ) إلا عظة (لِلْبَشَرِ) [٣١] ليؤمنوا.
(كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥))
قوله (كَلَّا) إنكار أن يكون الآيات أو ذكر (سَقَرُ) ذكرى لهم ، لأنهم لا يتذكرون لشدة عنادهم ، قوله (وَالْقَمَرِ) [٣٢] قسم أقسم بالقمر (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) [٣٣] بسكون الذال من إذ وأفعل ، وقرئ إذا دبر بفتح الذال منه وفعل كأقبل وقبل بمعنى واحد (١) ، يقال دبر الليل النهار إذا خلفه وأدبر كذلك ، (وَالصُّبْحِ) أي أقسم بالصبح (إِذا أَسْفَرَ) [٣٤] أي ظهر ، قوله (إِنَّها) جواب القسم ، أي إن «سَقَرُ» (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) [٣٥] أي البلايا العظام جمع الكبرى.
(نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧))
قوله (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) [٣٦] حال من «إحدى» ، أي ذات إنذار للخلق أو منذرة لهم وذكر لكونه بمعنى العذاب ، قوله (لِمَنْ شاءَ) بدل من (لِلْبَشَرِ) ، أي نذير لمن شاء (مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ) إلى الخير أو إلى الجنة (أَوْ) أن (يَتَأَخَّرَ) [٣٧] إلى الشر أو إلى النار.
(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨))
(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [٣٨] أي كل نفس كافرة محبوسة بعملها السوء في النار ، وال (رَهِينَةٌ) مصدر بمعنى الرهن وليس التاء فيه للتأنيث بل للاسمية ، لأنه قصد الصفة لقيل رهين ، إذ هو بمعنى مفعول ، يستوي فيه المذكر والمؤنث.
(إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١))
قوله (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) [٣٩] استثناء منقطع ، أي لكن أصحاب اليمين الذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق ليسوا مرتهنين بأعمالهم ، قوله (فِي جَنَّاتٍ) حال من «أَصْحابَ الْيَمِينِ» (يَتَساءَلُونَ) [٤٠] بينهم فيها (عَنِ) حال (الْمُجْرِمِينَ) [٤١] فيسأل المؤمنون المسؤولون عنهم لمن (٢) في النار إذا خرج الموحدون منها مع علمهم بحالهم توبيخالهم وتخسيرا حين نظروا إلى النار.
(ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨))
(ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) [٤٢] أي ما أدخلكم فيها أو التقدير فيقولون لهم قلنا لهم ما سلككم في سقر ، فهو
__________________
(١) «إذ أدبر» : قرأ نافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف باسكان الذال في «إذ» و «أدبر» بهمزة مفتوحة وإسكان الدال بعدها وورش على أصله من نقل حركة الهمزة إلى الذال وحذف الهمزة ، والباقون بفتح ذال «إذ» وألف بعدها ، و «دبر» بحذف الهمزة قبلها وفتح الدال. البدور الزاهرة ، ٣٣١.
(٢) لمن ، ح و : من ، ي.