واعملوا لآخريكم (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) على ترك الأهل والمال والأوطان وتلقي البلاء والشدة منه (أَجْرَهُمْ) في الآخرة (بِغَيْرِ حِسابٍ) [١٠] أي بغير مكيال هو حال من ال «أجر» ، يعني موفرا.
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢))
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [١١] أي التوحيد (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [١٢] في زماني أو من أهل بلدي ، وقيل : مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة (١) ، وجاز العطف بين الأمرين مع اتحاد اللفظ لاختلاف جهتيهما ، لأن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء آخر والأمر به ليكون المأمور أسبق في الدين شيء آخر (٢) فلا يكونان واحدا يمنع العطف.
(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥))
(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) أي إن أشركته (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [١٣] أي من أن ينزل علي عذاب يوم القيامة ، ثم أمره أن يهددهم بقوله (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ) قدم المفعول لإفادة التخصيص (مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) [١٤] أي توحيدي من الشرك والرياء ، فاقتدوا بي في هذا الإخلاص وإن لم تقتدوا بي (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) من الآلهة وفي تخييرهم توبيخ وتهديد شديد لهم ، قيل : منسوخ بآية السيف (٣) ، لا يقال في القولين تكرير (٤) ، أي في قوله (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ) الآية وقوله من قبل (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) الآية ، لأنه في الأول مأمور من الله باحداث عبادته بالإخلاص وفي الثاني إخبار عن نفسه أنه يخص الله بعبادته دون غيره فلا تكرير ، إذ الكلام أولا واقع في نفس الفعل وثانيا فيمن يفعل الفعل لأجله ، ولذا رتب عليه قوله (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) ، ونزل حين قال المشركون للنبي عليهالسلام خسرت بأن خالفت دين آبائك (٥)(قُلْ) يا محمد (إِنَّ الْخاسِرِينَ) أي الكاملين في الخسران (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بفوات الجنة ودخول النار (وَ) خسروا (أَهْلِيهِمْ) وهم المعدون لهم في الجنة من الحور والولدان لو آمنوا بعدم وصولهم إليهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ) أي الخسران (هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [١٥] أي الظاهر في غاية الفظاعة حيث خسروا أهليهم في الجنة.
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦))
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) أي أطباق (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي فرش من النار (ذلِكَ) أي الذي ذكرت من العذاب (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) المؤمنين ليتقوه واجتنبوا مما يوقعهم في ذلك العذاب ، ويدل عليه قوله (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) [١٦] أي لا تتعرضوا لما يوجب سخطي.
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨))
ونزل في أبي ذر وسلمان وزيد بن عمرو وفي كل موحد في الجاهلية (٦)(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا) أي امتنعوا وبعدوا عن عبادتهم (الطَّاغُوتَ) وهو الوثن ، قوله (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل من «الطَّاغُوتَ» (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) أي رجعوا إلى عبادة الله ، وقوله (لَهُمُ الْبُشْرى) خبر المبتدأ وهو (الَّذِينَ) والبشري البشارة بالثواب عند حضور الموت وحين يحشرون (فَبَشِّرْ عِبادِ [١٧] الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) من الله بالياء وتركها (٧) أراد من هؤلاء العباد الذين
__________________
(١) نقل المصنف هذا المعنى عن الكشاف ، ٥ / ١٥٦.
(٢) آخر ، ح : ـ وي.
(٣) وهذا الرأي مأخوذ عن القرطبي ، ١٥ / ٢٤٣ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٧٧.
(٤) تكرير ، وي : تكريرا ، ح.
(٥) ولم أجد له مأخذا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٦) عن ابن زيد ، انظر الواحدي ، ٣٠٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ٩.
(٧) «عباد» : قرأ السوسي بزيادة ياء بعد الدال مفتوحة وصلا ساكنة وقفا ، وقرأ يعقوب باثبات الياء وقفا ، والباقون بحذفها مطلقا. البدور الزاهرة ، ٢٧٥.