(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨))
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) أي إذا أصاب الكافر شدة في جسده أو في ماله وولده (دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) أي مقبلا إليه بدعائه معرضا عن أصنامه (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) أي أعطاه ربه (نِعْمَةً مِنْهُ) أي عافية مكان الشدة (نَسِيَ) أي ترك (ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) ليكشف ضره وهو الله (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) أي أمثالا وشركاء (لِيُضِلَّ) أي ليصد غيره (عَنْ سَبِيلِهِ) أي عن (١) دينه وهو الإسلام ، وقرئ بفتح الياء (٢) ، أي ليترك دين الله (قُلْ) يا محمد للكافر (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) أي عش زمانا (قَلِيلاً) مع كفرك (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) [٨] أي من أهلها.
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩))
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) بالتشديد ف «أم» منقطعة أو متصلة حذف أحد المستويين ، تقديره : الكافر خير أم من هو قانت ، أي مطيع ، وقرئ بالتخفيف (٣) فالهمزة للنداء ، فمعناه : يا من قانت (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي) الآية ، وقيل : للاستفهام و «من» مبتدأ ، خبره محذوف ، تقديره : أمن هو قانت كغيره ، حذف لدلالة ذكر الكافر قبله عليه (٤) ، و (آناءَ اللَّيْلِ) ساعات ، قوله (ساجِداً وَقائِماً) حالان من ضمير (قانِتٌ) ، أي هو في الصلوة آناء الليل (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) أي عذابها (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) أي مغفرته ونجاته بالجنة ، قيل : نزلت الآية في أبي بكر (٥) أو عمر أو عثمان (٦) أو سلمان (٧) أو في كل مؤمن قانت ، ثم بين أن لا مساواة بين المطيعين والطاغين بقوله (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وهو وارد على سبيل التشبيه ، أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون ، كذلك لا يستوي القانتون والعاصون ، قيل : نزلت في عمار بن ياسر وأبي حذيفة بن المغيرة (٨)(إِنَّما يَتَذَكَّرُ) أي يعتبر ويتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) [٩] أي أصحاب الفهوم والأذهان في صنعي وقدرتي.
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠))
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا) أي قل يا محمد لأصحابك (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) في الأمور كلها واثبتوا على توحيده (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي عملوا طاعة الله (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) أي الجنة ، والظرف متعلق ب (أَحْسَنُوا) لا ب (حَسَنَةٌ) ، والسدي علقه ب (حَسَنَةٌ) وفسرها بالصحة (٩) ، وكان حق الظرف أن يتأخر ليكون صفة ل (حَسَنَةٌ) إلا أنه يقدم ليكون بيانا لمكانها (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) نزل لحث المفرطين في الإحسان على الهجرة عن أرض لا يتمكنون فيها من صرف الهمم إليه لموانع يمنعهم منه (١٠) ، أي لا عذر لهم فيه لأن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة ، فينبغي أن يهاجروا ولا يقيموا فيها بالعجز وهم يشاهدون فيها بالمنكرات والمعاصي ولا يعتلون بأهل ولا مال اقتداء بالأنبياء والصالحين ، ويصبرون على ترك المألوفات ، قال ابن جبير رضي الله عنه : «من أمر بالمعاصي فليهرب» (١١) ، وقيل : هو للذين كانوا في بلد المشركين كمكة فأمروا بالمهاجرة عنه إليه المدينة (١٢) ، أي انتقلوا إليها
__________________
(١) عن ، ح : ـ وي.
(٢) «ليضل» : فتح الياء المكي والبصري ورويس ، وضمها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٧٥.
(٣) «أم من» : خفف الميم نافع وابن كثير وحمزة ، وشددها الباقون. البدور الزاهرة ، ٢٧٥.
(٤) نقل المؤلف هذه الأقوال عن الكشاف ، ٥ / ١٥٦.
(٥) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٣٠٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ٧.
(٦) عن ابن عمر ، انظر الواحدي ، ٣٠٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ٧.
(٧) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٥ / ٧.
(٨) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ١٥٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٠٥ (عن مقاتل) ؛ والبغوي ، ٥ / ٧ (عن الكلبي).
(٩) انظر الكشاف ، ٥ / ١٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٧.
(١٠) اختصره من الكشاف ، ٥ / ١٥٦.
(١١) انظر البغوي ، ٥ / ٧.
(١٢) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ١٥٦.